ازدادت حدة التصعيد في الجنوب بعد إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن مبادرته (الاسرائيلية؟) لوقف النار في غزة. جواب إيران على المبادرة كان ايعاز المرشد علي خامنئي للفلسطينيين بالقتال حتى النصر، وجواب «حزب الله» على دعوة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين للمساهمة بالتهدئة مع «حماس» كان الرفض حسبما ما ذكرت «نداء الوطن»، والجواب العملي كان تصعيداً لافتاً على جانبيْ الحدود يصل الليل بالنهار ومزيداً من التهديدات باجتياح إسرائيلي ما زال ينتظر الضوء الأخضر الأميركي.
جانب آخر في رد معسكر المقاومة على دعوات الهدنة والتهدئة تمثّل بإثارة «حزب الله» مسألة العدد وأحجام الطوائف في دعوة صريحة إلى تغيير اتفاق الطائف ونسف ثوابت يقوم عليها البلد. ولا يجب أن تُفهم هذه الدعوة المتجددة بوصفها رسالة إلى اللبنانيين الآخرين، وهم من كل المذاهب والطوائف، وإنما تنبغي رؤيتها تكراراً لشرط من شروط التفاوض مع الغرب الذي لا يزال يبدي اهتماماً بلبنان، خصوصاً أميركا وفرنسا ومعهما اللجنة الرئاسية الخماسية. فحتى التهديد بالعددية يدخل في المنطق الايراني ضمن وسائل تقوية مواقع التفاوض. عدّ المذاهب في لبنان يصبح مثله مثل تعداد الشهداء في فلسطين ورقة من أوراق رسم حدود القوى في المنطقة .
لم يكن أمين عام «حزب الله» الأول الذي يتحدث عن التعداد. سبقه حافظ الأسد بـ25 عاماً عندما وضع يده على تنفيذ اتفاق الطائف. في 14 كانون الثاني 1989 كتب الأسد إلى جورج بوش الرئيس الأميركي أنه إذا لم تدعمونا في الإمساك بلبنان (القضاء على العماد ميشال عون و»القوات») فإنّ المسلمين وهم 79 في المئة من سكان لبنان سيطالبون بالرئاسة! اقتنع بوش بعد عام وسلم لبنان للأسد بعدما سار الزعيم السوري في ركاب القوات الأميركية إلى الكويت.