IMLebanon

إستبدال الطائف أو تعديله سيكون على حساب المسيحيين

 

لرئيس جمهورية يحمي الإتفاق … ويواجه منظومته

 

يشير سياسي لبناني عتيق كان أحد صائغي إتفاق الطائف حول المباحثات والسجالات في المدينة السعودية التي سُمي الاتفاق على إسمها، الى أن الهم الأكبر الذي قضّ مضاجع السياسيين هناك كان التوصل الى اتفاق الحد الأدنى.. والخلاص من معضلة (قائد الجيش حينها) ميشال عون وتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية ربطا بالرجل..

 

طبعا العناوين كانت كثيرة لإنهاء محنة اللبنانيين في ذاك العام، 1989، بعد حرب ضروس منذ العام 1975، لكن الضغط النفسي مثّل حجر الأساس للتوصل الى اتفاق كاد في أكثر من مرة يبدو بعيد المنال، حتى أن البعض فكر في العودة أدراجه الى لبنان بعد تعقد المفاوضات التي كان مطلوبا ان تحل في ايام كارثة سنوات طويلة، لا بل أزمة النظام اللبناني منذ النشأة.

 

هذا ما يفسر بأن الطائف لم يقدم حلاً جذريا لمعضلة الحكم اللبنانية، بل أن السياسيين اختاروا التسوية من الداخل، أي من داخل النظام نفسه على الطريقة الاصلاحية غير الجذرية.

 

فقد كان الانهيار هائلا، على حد تعبير السياسي المخضرم، تدميرا واقتتالا واقتصادا بالكاد يتنفس وهجرة، لا سيما لدى المسيحيين، ولم يكن هناك الكثير من الخيارات وكان العنف بلغ مستوى لا يقدم حلاً عسكريا وسط “حرب التحرير” التي شنها قائد الجيش حينذاك ميشال عون على الجيش السوري وحلفائه، والتي ما كان ليوقفها سوى عبر توليته رئاسة الجمهورية، على حد تعبير هذا السياسي.

 

كان همّ المجتمعين في الطائف “إستعادة سيادة لبنان والخلاص من الوجود السوري العسكري. والأهم التوصل الى صيغة مبتكرة لمشاركة اسلامية فاعلة بعد ان كانت سابقا شكلية”.

 

حلٌّ مرحلي يوقف الحرب ويريح المسلمين

 

يقر صائغو الطائف بأنه لم يكن اتفاقا مثاليا وشابته

 

ثغرات ستتعمق بالممارسة كان هؤلاء يراهنون على اصلاحها مع الوقت. كان الطائف حلاً جيداً ومرحلياً لوقف الحرب على ان يتطور مع الوقت، ومن شأنه إراحة المسلمين ووضع حد للتقاتل والتوصل الى حياة ديموقراطية بالحد الادنى، على ان تتطور في شكل مضطرد مع الوقت.

 

كان حسن النية لدى صائغي الاتفاق يشكل ضمانتهم المعنوية، فمن يضع أي دستور لا يفكر في كيفية خرقه بل في إدارته نحو الافضل على طريق تطوير النظام.

 

شكل تحدي إلغاء الطائفية السياسية لبّ الصراع منذ اندلاع الحرب الاهلية ومطلبا مكررا من دون كلل للجانب المسلم من الصراع والذي خاضه تحت عناوين متعددة غير طائفية في الظاهر، فكان الاتفاق في الطائف على تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية على أن يترأسها رئيس الجمهورية وأن تكون مؤلفة من شخصيات سياسية تمثل التوجهات القائمة تقوم بالاقتراح على السلطات الدستورية كيفية التخفيف من الطائفية من النفوس أولا، مع تشكيل مجلس شيوخ طائفي بدلا من مجلس النواب الذي سيُنتخب على أساس مدني.

 

الإسراع بمجلس الشيوخ

 

طبعا لم يحدث كل ذلك الذي كان من شأنه وضع اللّبنة الاولى لإصلاح النظام وبالتالي البلد المأزوم منذ الولادة، ومع مرور الزمن اقترح البعض انشاء مجلسا للشيوخ حتى قبل إنشاء الهيئة الوطنية لإراحة الطوائف في شكل عمليّ غير شعاراتي. وبذلك يتم ضمان حقوق الطوائف على طريق إقامة الدولة المدنية المنشودة.

 

لكن ذلك فشل بدوره في نظام عفن زبائنيّ فاسد برعاية طبقة سياسية تتغذى منه دوماً لكي يبقى الطائف من دون تنفيذ عمليّ وبهيمنة من ملوك الطوائف ضربت المؤسسات وطبعا برعايات خارجية باتت معروفة منذ زمن.

 

والحال أن فئات كبرى عديدة لم ترد لهذا الاتفاق ان يبقى بل تعاملت معه بصفته أمرا واقعا، كان أهمها عون نفسه، حسب أحد شيوخ الاتفاق الذي يضيف إليه “حزب الله” متغاضياً عن غيرهما، ومشددا على التغيرات التي طرأت على المشهد منذ 33 عاماً.

 

“وقف العد”

 

هو يلفت النظر الى انه في الطائف اتفق المؤسسون على “وقف العد” في سبيل العيش المشترك وحفظ المناصفة ولوقف هجرة المسيحيين واشراك المسلمين في ظل نظام يحفظ الرئيس المسيحي الوحيد في العالم العربي، رغم ان الجميع في الطائف كان يعلم بأن العد العكسي الديموغرافي المسيحي قد بدأ فعلاً وهم لم يعودوا الاكثر عددا كما عند تأسيس لبنان في 1920، لكن الأمر يكتسب معنى إضافيا اليوم وسط الخشية المسيحية مما حصل في الدول العربية من تهجير وقتل.

 

والواقع أنه قبل الطائف كانت صلاحيات الرئيس شبيهة بنظام رئاسي فهو كان يعين الوزراء ويختار من بينهم رئيسا للحكومة، وإن كان لا يمارس صلاحيات كثيرة وفرها الدستور له، لكنه فقد صلاحيات كثيرة نتيجة تبدل موازين القوى خلال الحرب اللبنانية كما نتيجة تبدل ظروف الخارج، فكان ان تقلص نفوذه في الطائف لصالح مجلس الوزراء مجتمعا. ومع المجلس بات رئيس الحكومة السني صاحب نفوذ ترتبط الحكومة باستمراريته على رأسها فتنتفي باستقالته أو بوفاته، إلا أن رئيس الجمهورية بقي صاحب فيتو التعطيل “كما حصل مرارا في عهد عون”، كما يؤكد السياسي المخضرم الذي يقدم أمثلة كثيرة على تراجع صلاحيات الرئيس.

 

الطبقة السياسية وراء التعثر

 

على أن الأمر تعلق أيضا بعاملين نسبيين بالغي الأهمية.

 

أولا الظروف التي أحاطت برئيس جمهورية ما بعد الطائف. ففي عهد الرئيس الياس الهراوي الذي بني نظام الطائف فعليا خلال عهده، كان النفوذ السوري سمة المرحلة وسط تسليم غربي أميركي وخليجي سعودي بذلك مهد بدوره للحريرية خلال جزء من عهديه، الأصلي والممدد له.

 

الامر نفسه بالنسبة الى الرئيس إميل لحود، وكانت المفارقة ان نفوذ لحود تقلص مع الخروج العسكري السوري وكان “حزب الله” لم يحِل بعد أو لم يرد الحلول، اللاعب الراسم للأدوار حينها حتى خروج لحود من القصر الجمهوري.

 

أما عهد ميشال سليمان فكان شبيها من حيث الشكل بعهدي الرئيسين شارح حلو والياس سركيس لا سيما عبر المنحى الذي اتخذه الاخير بإدارة الازمة وليس اجتراح الحلول. وللتذكير فقد جاء سليمان ثمرة الاتفاق في الدوحة، وكان ان انتهى دوره بعد انتهاء ولايته.

 

ولعل عهد الرئيس ميشال عون اتخذ قوته من مساندة “حزب الله” له، وحلوله رئيسا بدعم مسيحي شعبي كما سني (رسمي أكثر منه شعبي).

 

ومنذ النصف الثاني من ولايته تقلص نفوذ الرجل لأسباب باتت معروفة، ولكنه بقي صاحب الفيتو المانع لأية تسوية من دون رضاه، وليس موضوع تشكيل الحكومات سوى مثالا بسيطا واحدا على أهمية توقيع رئيس الجمهورية.

 

هذا الاستعراض للدلالة على ان المشكلة لم تكن في اتفاق الطائف، بل في الطبقة السياسية التي أشرفت على تنفيذه باستنسابية مدخلة أعرافا غريبة عليه.

 

التوقيع الشيعي.. فكرة

 

ويبدو ان المتغيرات التي فرضت نفسها سياسيا وعسكريا وديموغرافيا ستجعل من مهمة تنفيذ الطائف كما اتفق عليه المؤسسون، مهمة شبه مستحيلة، ولنتخذ من التوقيع الشيعي الثالث والمقصود وزارة المالية مثالا على ذلك يقول عنه أحد صائغي الطائف بأنه لم يكن سوى فكرة تمت مداولتها في أروقة الطائف لكن لم يتم تبنيها..

 

في كل الأحوال يرى بعض من كان حاضرا في الطائف قبل نحو 33 عاما، أن هذه العوامل التي استجدت على لبنان اضافة طبعا الى فساد الطبقة السياسية، ستحول دون التطبيق الحقيقي للطائف الذي يقول البعض إن عصره الذهبي لم يتعد السنوات القليلة (حتى العام 1992 على الأكثر!).

 

لكن في مقابل كل ذلك ثمة أسئلة تطرح في وقت هذا الحديث: إذا لم يكن الطائف اتفاقا ملزما لإصلاح النظام، فأي اتفاق إذا سيتوصل اليه اللبنانيون؟ وهل سيحصل ذلك “على البارد” أم بالحديد والنار وسط متغيرات تحفل بها المنطقة ولبنان من ضمنها؟ واذا فشل الطائف نهائيا، ألا ينبىء ذلك بتصاعد طروحات التقسيم تحت عناوين متعددة من فيدرالية أو لا مركزية مالية؟ ثم ماذا عما يحكى عن تكريس للمثالثة (لم يحصل أي طرح رسمي حولها)؟ وهل سيحصل اي تغيير دستوري في الوقت الذي يشوب الارباك الطائفيتين “المؤسستين” للبنان الكبير، المراونية والسنية، كما خرج به الفرنسيون قبل نيف و100 عام؟ ثم وهذا الأهم: كيف سيواجه لبنان متغيرات قد تكون مصيرية وسط فراغ دستوري وشلل مؤسساتي وانقسام عميق يخشى معها ان يكون اي حل – تسوية على حساب لبنان الكيان والدولة؟

 

ويرى السياسي المخضرم أن مصير الطائف غير مُبشر “في ظل قوة “حزب الله” وزمنه منذ احتلاله بيروت، لكن لا بديل عن الطائف ولا فرص بتعديله لأن ذلك سيكون على حساب المسيحيين كون حقوق السنّة ثابتة وهناك من يحميهم بينما المسيحيون هم الطرف الأضعف”.

 

الرئيس نتاج التسوية

 

في هذه الأثناء تأتي معركة الرئاسة التي يبدو من الضروري بمكان أن يتمخض عنها رئيس مؤيد للطائف ولثوابته، وقد يكون صنيعة مرحلته كون لا حل من دون تطبيق هذا الاتفاق.

 

لكن الأهم هنا ان لا يكون هذا الرئيس صنيعة طبقة الطائف أو منظومته السياسية والاقتصادية والمالية وأن يكون صادقاً في محاربة الفساد وفي الإصلاح.. بتعبير آخر أن يكون مختلفاً عن الطبقة السياسية التقليدية وان لا يكون ضمن أحد محاورها وحافظاً في الوقت نفسه لشرعية مارونية ما، وأن يكون قادراً على مخاطبة الخارج وقادراً على محاكاة المرحلة المقبلة بكل ما تحمل من تبدلات لبنانية وخارجية.

 

هذا “البروفايل” للرئيس لا يبدو أنه سيكون على موعد مع بعبدا قبل نهاية ولاية الرئيس ميشال عون، وربما سيأتي الإسم مرادفاً لطبيعة التسوية التي ستأتي ليصبح ثانوياً وفقط نتيجة لصالح التسوية – الحل في السنوات المقبلة.