Site icon IMLebanon

اتفاق الطائف بين اليمن والسعودية أيضاً

ساعات قليلة على بداية الحرب على اليمن، كانت كافية لتكشف الكثير من أسرار بداياتها والتحضير لها.

هكذا بات معلوماً أن قرار الحرب اتخذ على ما يبدو في الأسبوع الأول من هذا الشهر. حين حفلت مواعيد الرياض في الأيام الأولى من آذار الحالي، بسلسلة من الشخصيات ذات السمة المشتركة: قيادات المحور السني في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي. ففي أجواء الاستمرار في زيارات التعارف والتهاني والتعازي للقيادة السعودية الجديدة، جاء إلى الرياض الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في 2 آذار. في اليوم التالي وصل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان. في الرابع من الشهر نفسه جاء رئيس وزراء الباكستان نواز شريف. في نهاية الأسبوع السعودي الطويل جاء وزير الخارجية الأميركية، جون كيري. اكتملت السلسلة. أُقر الحلف والمحور والمعسكر. وبدأت على الأرجح التحضيرات؟

التدقيق في ما يكتب في الصحافة الغربية عموماً، والأميركية خصوصاً، يظهر بعض تفسّخات في صورة تلك الكتلة السنية المتحالفة ضد «عدو الأمة» في اليمن. السعودية موقفها معروف ومحسوم. فالسيطرة الإيرانية على اليمن خط أحمر بالنسبة إليها. لكن أكثر من ذلك، مجرد سيطرة الحوثيين على كامل السلطة في البلاد المجاورة لنظام آل سعود، مسألة حياة أو موت بالنسبة إليهم. يكفي تصور سيناريو كالتالي: الحوثيون يحكمون سيطرتهم على اليمن السعيد. قواتهم ترتاح في جنوب البلاد ووسطها. فتعود إلى الاحتشاد في الشمال على الحدود السعودية. يقع حادث حدود، من النوع الذي تكرر إبان حروب العام 2009 وما قبله وما بعده. تندلع اشتباكات هناك. يحصل توغل حوثي، كما حصل من قبل أيضاً، ولو لأمتار عدة داخل أراضي العائلة السعودية. فيكون ذلك كافياً للانفجار، أو للانهيار من الداخل، تحت وطأة العوامل التالية: الدواعش جاهزون في الداخل السعودي، معادون للنظام وعائلته وحكامها. عددهم وفير كما أظهرته إحصاءات المغردين منهم وفق الصحافة الأميركية. إنهم في المرتبة الأولى. من جهة أخرى المنطقة الشرقية لم تبرأ من جراحها المفتوحة بعد. فيما الحدود نفسها، منطقة النزاع السعودي ــــ الحوثي المحتمل، ليست غير أرض يمنية تاريخياً، وموضع نزاعات سابقة، لم يحسمها غير اتفاق هو اتفاق الطائف ـــــ للمصادفة اللبنانية المعبرة أيضاً ــــ سنة 1934. هكذا يبدو الموقف السعودي جذرياً، ونهائياً، مع القتال المستميت، منعاً لخسارة، لا اليمن، بل النظام السعودي نفسه.

لكن ماذا عن المكوّنات الأخرى للتحالف؟ القاهرة تبدو الأقرب إلى الرياض في موقفها. الأسباب كثيرة. منها تاريخي يعود إلى عبد الناصر، كما إلى كل الفراعنة الذين سبقوه. كأنما ثمة سمة جينية مؤسسة لكل نظام فرعوني على ضفاف النيل: أن تكون له حربه اليمنية، وأن يكتب تاريخه صفحة إضافية من ملحمة المغامرة في الجانب الآخر من المياه. كأن عبور كل فرعون باب تاريخه الخاص، مشروط بنسخته من سلسلة حروب باب المندب. ثم إن قدرة السيسي الآن على معاندة النظام السعودي متواضعة جداً، خصوصاً قياساً بكرم العقود التي لم يجفّ حبرها بعد في شرم الشيخ. أكثر من مئة مليار دولار، بينها عاصمة جديدة، مقابل موقف سياسي وعملي لتدمير بضع مدن في القفر اليمني. المعادلة مقبولة في قياس البورصة السياسية، كما بمفهوم الجدوى الاقتصادية والزعاماتية. غير أن الأمر لا ينتهي عند هذا الحدّ. فحدود القدرة المصرية على التورّط في الصراع واضحة. لا استنزاف. لا احتلال. لا توتير للأوضاع الداخلية الهشة. ولا تعكير للعلاقات الإقليمية للحكم المصري الفتي…

باكستانياً، الوضع أكثر تعقيداً. التأييد العاطفي والدعم المعنوي قد يكون متوافراً وكاملاً. لكن نواز شريف عبّر في الرياض نفسها عن عدة ملاحظات، من باب أخذ العلم على الأقل: مع التسليم بوحدة «الأمة» وكل لازمتها الكلامية، علينا ألا ننسى أن لبلدنا حدوداً مشتركة مع إيران. والأهم أن لباكستان قضية ساخنة، لا بل بؤرة متفجرة مستدامة، تشترك مع إيران في مخاطرها وتردداتها، ألا وهي أفغانستان. فكما بين إسلام أباد والرياض مصالح مشتركة، كذلك بينها وبين طهران أهداف واحدة، أهمها قتال إرهابيي «القاعدة» ومشتقاتها. وفي كل حال فوزيرستان أهم بالنسبة إلى شريف من عدن. وكابول أخطر على بلاده من صنعاء، خصوصاً أن لدولته تجربة استنزافية في أفغانستان المحاذية، فكيف لها أن تكررها في اليمن النائي؟!

بقيت أنقره وواشنطن. الأولى تبيع مواقف كلامية، بعد أسابيع قليلة على زياراتها المتبادلة مع طهران. فيما الثانية تحاول إقناع الرياض بأنها معها في قتال الحوثيين في صعدة، فيما هي تحالف قاسم سليماني في تكريت، وتفاوض ظريف في لوزان!

هكذا تتضح الصورة الحقيقية للتحالف العشري ضد اليمن. تحالف يبدو محكوماً حتى الآن بثنائية القوات الخارجية المسيطرة على الجو، في مقابل المقاومة اليمنية المسيطرة على الأرض. ثنائية مماثلة تقنياً وعسكرياً لآخر الحروب الاسرائيلية في لبنان وغزة. مماثلة قد تكون قابلة للتمدّد من الشكل العسكري إلى المضمون السياسي والجيواستراتيجي. ومماثلة قد تكون المدخل إلى السؤال الأهم: هل تصل تداعيات الحرب على اليمن إلى لبنان، سياسياً ورئاسياً وعسكرياً وأمنياً؟ وهل يصير التلازم أمراً واقعاً بين طائف اليمن وطائف لبنان؟