IMLebanon

المحتفون بذكرى «الطائف» طبّقوه انتقائياً لمرجعية تسهر على حسن التطبيق وتنفيذ ما لم يُنفّذ

 

 

من مفارقات الاحتفالية التي جرت السبت لمناسبة «العيد» الثالث والثلاثين لعقد مؤتمر الطائف وانبثاق الميثاق الوطني والدستور اللبناني الجديد عنه، ان معظم القوى التي شاركت في المؤتمر، والتي ركبت موجته لاحقا وشاركت في السلطة، سواء عبر المجالس النيابية أو الحكومات المتعاقبة، لم تعمل على تطبيقه كما يجب، وما طبقته منه كان ممسوخاً ومشوّهاً، عدا عن انها لم تُطبّق بعض المواد منه، كتشكيل الهيئة الوطنية العليا لإلغاء الطائفية السياسية، وانتخاب مجلس نواب خارج القيد الطائفي، وتشكيل مجلس للشيوخ يتابع قضايا الطوائف، وتطبيق اللامركزية الإدارية الموسعة (الإدارية لا المالية والسياسية كما يُطالب البعض)، عدا التأخير في إقرار قانون استقلالية السلطة القضائية 33 سنة، وسواها من مواد وردت في مقدمة الدستور وبنوده، مثل طائفية الوظيفة واقتصارها على موظفي الفئة الأولى، وتحكيم تكافؤ الفرص أمام كل اللبنانيين… وهناك الكثير مما يُقال.

 

في حوارات سابقة مع عدد من نواب الطائف الأحياء أطال الله أعمارهم، أكدوا ان ما تم تطبيقه لا علاقة له بما تقرر في المؤتمر. وصحيح انه حصل تحت أصوات المدافع بهدف إسكاتها وتحقيق السلم الأهلي، لكن الصحيح أيضاً ان هدف المؤتمر كان إعادة بناء الدولة بكل مؤسساتها وهو ما لم يحصل، فتوزعت المؤسسات الرسمية حصصاً على الطوائف وعلى الأحزاب وقوى الأمر الواقع التي تسلّمت السلطة بكل مفاصلها. ولا يكفي تحميل سوريا وحدها وقتها والآن سوء تطبيق الطائف بميثاقه ودستوره، فالكل كانوا شركاء معها في انتقائية التنفيذ واستبعاد غير المناسب لهم ولسوريا بحجج مختلفة، حتى الذين يصنّفون أنفسهم الآن بالمعارضة كانوا شركاء في حكم البلد، فوصلنا الى وصلنا إليه من انهيار على كل المستويات وفي كل المؤسسات. وبعد خروج سوريا من لبنان عام 2005 وتسلمهم السلط بأكثرية نيابية، لم يكن هناك ما يمنعهم من استكمال تطبيق الدستور!

وصحيح ان بعض الذين طبقوا الطائف طالبوا بتنفيذ البنود غير المنفذة ومن باب رفع العتب والقول «اللهم اشهد اني قد بلّغت»، لكن الصحيح أيضاً انهم خلال مشاركتهم الطويلة في السلطة، لم يبذلوا جهداً ولا قدّموا اقتراح قانون أو مشروع قانون لتنفيذ ما لم ينفذ أو لضبط حسن التنفيذ، باستثناء تقديم مشاريع واقتراحات قوانين حول اللامركزية الإدارية بقيت حبراً على ورق. وقد صدق رئيس «تيار الكرامة» النائب والوزير السابق فيصل كرامي بقوله: في الذكرى الـ٣٣ «لعدم» تطبيق الطائف نأمل أن يذهب اللبنانيون الى مراجعة نقدية ليكتشفوا حجم الفرص الضائعة وحجم الكوارث التي وضعت لبنان على مفترق خطير يهدّد بزواله.

والمسؤولية تقع أيضاً على الدول التي رعت الاتفاق وضمنت تنفيذه، بحيث انشغلت في ترتيب مصالحها مع القوى الحاكمة في لبنان وفي الإقليم، وأنجزت تسويات وصفقات وحروباً، بينما كان من المفروض – حسب بعض المصادر النيابية المعنية بحسن تطبيق الطائف ودستوره، إيجاد مرجعية وآلية تواكب وتشرف على حسن التطبيق، وتضغط لتصويب المسار، بدل أن تحمّل الآن القوى الحاكمة مسؤولية الانهيار والفساد وعدم تحقيق الإصلاحات المطلوبة في النظام، وهي كانت تعلم أي قوى سياسية وضعتها على رأس النظام وسكتت عنها. وقد أقّرَ وزير خارجية الجزائر الأسبق وعضو اللجنة الثلاثية العربية التي ساهمت في التحضير لمؤتمر الطائف الأخضر الإبراهيمي في كلمته في الاحتفال «بأنه كان هناك أمل كبير ألّا يتوقف عمل اللّجنة الثلاثيّة بالخروج من الطائف، بل أنّها ستواكب عمل لبنان من أجل إعادة بناء الدولة وإعمار لبنان». وهذا ما لم يتحقق.

على كل حال، لم يفت الآوان بعد، وما انكسر لا يمكن إصلاحه، لكن يمكن البدء من الصفر، وفي المجلس النيابي الجديد قوى تحمل لواء التغيير، وقوى مستقلة معارضة للأداء السابق، لكنها منقسمة فرقاً شتى، بحيث تمكنت القوى التقليدية من استيعابها وجعلها «تلوينة جميلة» في البرلمان لكنها لا تؤثر على عدم تناسق اللوحة الكبيرة. كما ان هناك «صحوة» لدى بعض القوى السياسية التي شاركت في الطائف وحكم الطائف 33 سنة، بدأت تتحدث عن ضرورة تحقيق الإصلاحات وتنفيذ ما لم ينفذ من بنود الدستور، وثمة قوى تطالب بتوضيح أو تعديل بعض بنود الدستور، بعدما ظهر فيه من ثغرات وعلل خلال تطبيقه، وآخرها تكرار الشغور في رئاسة الجمهورية ثلاث مرات، وتعذر تشكيل الحكومات أشهراً طويلة، نتيجة الالتباس في مفهوم المهل والنصاب والصلاحيات. وهذا الدستور ليس بالكتاب المقدّس أو المُنزَل بوحي من رب العالمين، وما كتبه الحبر يمكن أن يُكتَب غيره بما يُصحح مسار النظام السياسي والانتظام العام. هذا إذا كانت هناك رغبة حقيقية في تصحيح المسار وتحقيق الانتظام العام في الدولة.