Site icon IMLebanon

في نقد الطائف نصّاً وممارسة

 

وحده النظام السوري ظلّ يمتلك الكلمة الفصل، بعد هزيمة الميليشيات، وبعد منحه ثقة عربية ودولية جعلته شريكاً في صياغة نص الاتفاق، فيما تركز اهتمام النواب على توزيع الصلاحيات داخل السلطة وعلى حل مشكلة الطائفية في النظام.

 

تمكن رئيس حكومة من غير صلاحيات مزعومة، قبل الطائف، أن يعطل الدولة يوم اعتكف رشيد كرامي، وفي غيابها ما بعد الطائف أمكن لرئيس الجمهورية إميل لحود أن يعطل الدولة وللرئيس ميشال عون أن يدمرها. إذاً التشخيص بالصلاحيات غير صحيح والعلاجات المستندة إليه بالتالي غير صحيحة.

 

أما الطائفية فهي مشكلة في أنظمة الاستبداد لا في الأنظمة الديمقراطية. هي في لبنان موجودة في المجتمع لا في النظام. النظام ليس طائفياً. أهل النظام هم الطائفيون. ورأسماليتنا اللبنانية تدار بعقل سياسي «قروسطي».

 

في الاتفاق مصطلحات كثيرة تتعلق بالمسألة الطائفية في لبنان، «ميثاق العيش المشترك»، «خارج القيد الطائفي»، «أساس وطني لا طائفي»، «إلغاء الطائفية السياسية»، «إلغاء قاعدة التمثيل الطائفي»، «دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة».

 

لا تجدي الوصفات الطائفية في علاج الطائفية، لا العلمنة ولا إلغاء الطائفية السياسية ولا قانون اختياري للأحوال الشخصية ولا «تأمين الانسجام بين الدين والدولة». هذه كلها تستنفر الغرائز وتخلق مسوغاً لانتهاك الدستور، انطلاقاً من المبدأ الدستوري «لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك». وصفة واحدة من شأنها نقل البلد من الولايات إلى الوطن، الوصفة هي الدولة. دولة القانون والمؤسسات والكفاءة وتكافؤ الفرص والفصل بين السلطات وتداول السلطة، دولة الحريات الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

 

يقضي مبدأ الفصل بين السلطات لا إلغاء القوانين الموازية بل السلطات الموازية. المؤسسة الدينية تنافس الدولة على سلطتها بوجود المحاكم الشرعية لا بوجود القانون، ولا سيما حين يختزل بالزواج المدني. لذلك فإن الحل الصحيح يقضي أولاً بإلغاء كل العبارات الواردة في الدستور والتي تحيل إلى دلالة انقسام طائفي، بما في ذلك تلك التي تطلق عن حسن نية كالشراكة والعيش المشترك.

 

ويقضي ثانياً بسن قانون للأحوال الشخصية يخص الدولة يضاف إلى القوانين المذهبية ولا يحل محلها، على أن يوكل البت بقضايا الأحوال الشخصية إلى القضاء المدني استناداً إلى قانون الدولة أو إلى أي قانون مذهبي يختار المواطن الاحتكام إليه. الحل إذاً بإلغاء السلطة القضائية الموازية لا بإلغاء قوانين الأحوال الشخصية.

 

*****

 

أمّا في الممارسة فقد تعاون السياسيون اللبنانيون مع نظام الوصاية على اعتماد شكل من أشكال تعليق الدستور، على الطريقة المعتمدة في جمهوريات الوراثة. من مظاهر ذلك بدعة الترويكا. مجلس رئاسي بصلاحيات محدودة جداً. أما القرارات الكبرى فمناطة برأس النظام الأمني في عنجر ودمشق، وما الترويكا سوى جهازه التنفيذي. حين اكتشف اللبنانيون ذلك واعترضوا عليه حلت الكارثة باغتيال رفيق الحريري.

 

نظام الوصاية عمل على تفكيك الدولة، أما القوى اللبنانية فلم تكن فكرة الدولة من أولوياتها. نظام الوصاية تفاجأ، ومعه قوى الممانعة، بانسحاب الجيش الإسرائيلي واعترض على بسط سيادة الدولة على الجنوب بواسطة الجيش اللبناني.

 

تم اختزال النظام الديمقراطي البرلماني بالمحاصصة بمعناها السلطاني. بعد انسحاب القوات السورية بدل تعليق الدستور انتهاك الدستور. وفي الحالتين أوكل الطائف بناء السلام إلى صناع الحرب، واليوم يتولى أرباب الفساد أمور الإصلاح.

 

أغلب الظن بأنّ المعارضة اليوم لن تكرر أخطاء الماضي. فهي تعلمت من بعضها، كما أن ثورة السابع عشر من تشرين ألزمتها بحمل قيم جديدة، على رأسها تعميم الوعي بأهمية دور الدولة.