الدول ذات التأثير على وضع لبنان في محنته، فيها الدول الديمقراطية، وفيها الدول الدكتاتورية الإستبدادية.
سوريا كانت دولة ديمقراطية، ولكن الطبقة الحاكمة كانت فعّالة في عنصريتها مما أعماها وجعلها تربة خصبة للرايات التي ترفع عنها ثقل الطبقة الحاكمة بتكبرها وغطرستها، هكذا حمل حزب البعث العروبة والإشتراكية والوحدة وتسلق بهم الى الحكم وبالسلطة المتوحشة والفساد رأينا الشعب كله يثور على آل الأسد الذين خطفوا حزب البعث واختبأوا خلفه، وشهدنا المجازر وهجرة السوريين التي تُعَدّ بعشرات الملايين وقتلوا بعضهم الآخر الذين يُعدون بالألوف.
ولبنان يحمل ممن يسمون انفسهم باللاجئين مليوني لاجئ سوري ينتقلون صباحاً الى سوريا حيث يعملون ثم يعودون الى خيمهم في لبنان، وحين نقول لهم عودوا يقولون ان العودة غير آمنة.
وبعد سوريا هناك تركيا التي استطاع مصطفى كمال (أتاتورك) أن ينقذها ويخرجها من تخلّف الشرق الى حضارة وثقافة الغرب.
وهناك إسرائيل التي اغتصبت أرضاً وتحوّلت الى دولة وخرج منها اللاجئون الى سوريا ولبنان والأردن وبقي فيها من بقي، والذين بقوا في إسرائيل من الفلسطينيين وعاش الذين بقوا فيها أحسن بكثير من الذين خرجوا منها رغم العداء العربي المستحكم ولكن الأيام وحسن المعاملة التي شهدها اللاجئون بعد نكسة وهزيمة 1989 وحوّلت الفلسطينيين الى الإرهاب خلقت عداء أكبر مع الدول التي يقيمون فيها أكثر من عداء الدول العربية لإسرائيل.
هكذا اعترفت وطبعت أكثرية الدول العربية مع إسرائيل بعد كمب دايفيد.
سوريا وإسرائيل جارتان، نعترف بواحدة ونعادي الثانية، هناك أيضاً تركيا وهناك فرنسا «أمنا الحنون» التي باعت لبنان الى إيران خلافاً لكل قيمها الحضارية والثقافية! وهناك أميركا التي تراعي مصالحها وهي دائماً مع إسرائيل. وهناك المملكة العربية السعودية التي فتحت صدرها لكل الطوائف اللبنانية وصار أكثر من نصف لبنان في السعودية، وفي السعودية كل اللبنانيين من طائفة اللبنانيين الذين هم أقلية في لبنان!
وهناك الشعوب اللبنانية وطائفيتها: الشعب السنّي والشعب الشيعي والشعب الدرزي والشعوب المسيحية المارونية والأورثوذوكسية والكاثوليكية وكلهم بعد الإستقلال يتحاربون بحروب أهلية وعندما يعلنون الهدنة يُعَدون شعباً واحداً فريداً من نوعه فيه اندماج ثقافة الشرق والغرب وفيه الدراسة على أعلى المستويات والتطبيب على أحسن ما يكون وعلى الصعيد المصرفي كان مصرف العرب، والثقافة العربية والغربية وهناك طائفة اللبنانيين التي تتغلب عليها باقي الطوائف دائماً! وهناك رعاية دولية لكل طائفة، فإذا عمّ السلام كانوا «نيال اللي عندو مرقد عنزة بلبنان»، مما يجعل الوصاية حاجة إليهم وفي هذه الأيام لبنان سقط في انهيار مريع إذ حكمته الطائفية الغبية والفساد الذي لا يستحي، فهدمت كل مؤسساته وصار على الرمق الأخير.
في الحرب الأهلية جرت عملية عبقرية لإنهاء القتال وعودة السلام بمبادرة من السعودية، فكان الطائف وكانت وثيقة الطائف، ولكن أشقياء الشعوب الطائفية صبّوا وثيقة الطائف في دستور هو عكس روح الطائف، وكان الطائف حلاً لوقف القتال ودعوة للسلام ولـ«نيال اللي عندو مرقد عنزة بلبنان»، ولكن ميليشيات الطوائف تغلبت على الطائف فخلع المتحاربون ثياب الحرب ولبسوا ثياباً مدنية توحي بأن الحرب قد انتهت في الظاهر وجعلوا تفسير وثيقة الطائف في دستور جاء نقيض وثيقة الطائف، ولم يقبلوا تشكيل محكمة قضائية طاهرة تفسر دستور الطائف، بل استأثروا بتفسير الدستور الذي جاء دعوة للحرب والإنهيار. ولم يطبقوا اي فكرة اصلاحية من وثيقة الطائف!
وخطف «حزب الله» وثيقة الطائف كما خطف آل الأسد وطائفته حزب البعث العربي الإشتراكي وأملى «حزب الله» دستوراً يناقض الوثيقة وسلكنا عكسها تماماً. ومنذ سنة 1989 شهد لبنان العجائب والغرائب.
ولما جاء رفيق الحريري من الطائف ليعيد تعمير لبنان، اغتاله «حزب الله»، كما قالت المحكمة الصادرة من الأمم المتحدة. فكان جواب حزب الله بأن اليد التي تمتد لاعتقال المجرمين الذين صدر حكم المحكمة الدولية بحقهم في اغتيال الحريري… ستنقطع!
وأمّن «حزب الله» تغطية مسيحية كانت تنادي بـ «نيال اللي عندو مرقد عنزة بلبنان» فانتقلت من الغرب الى الشرق!
وانقضت الحرب الأهلية الباردة على دولة «نيال اللي عندو مرقد عنزة بلبنان» لتدمرها وتدمر البنية التحتية للبنان بفساد لم تعرفه ولا اي دولة في العالم ومن سنة 1989 الى اليوم نسفوا الطائف، وفتحوا باب الإغتيالات، وانقضوا على اموال الدولة انقضاض المجانين، ووظفوا في الدولة ومؤسساتها ووزاراتها وقضائها أنصارهم وأزلامهم وأصبح أعداد موظفي الدولة ثلاثة أضعاف ما كانوا عليهم، وهؤلاء الموظفون الجدد لا عمل لهم ولا مكان لهم في الوزارات، فكانوا يقبضون رواتبهم دون الذهاب الى الوزارات أو المؤسسات التي عُيِّنوا فيها، ويقبضون معاشاتهم وهم في بيوتهم، وانقضوا على الكهرباء لآخر شريط وآخر عامود كهربائي فانقطعت الكهرباء عن لبنان ومن كثرة الجشع والفساد، ترتب أربعون مليار دولار ديوناً على الكهرباء، وليس في لبنان كهرباء. وهكذا منذ سنة 1989 الى سنة 2023 سقط لبنان في انهيار لم يعرف مثله أي بلد في العالم!
وفُتحت أبواب الهجرة، هجرة الناس والأموال، وخاصة أموال الفساد التي كان أصحابها يخافون عليها لأنها مال حرام، كانوا يخافون عليها في لبنان لأن النظام حلّل الحرام وحرّم الحلال، وثار الشعب ونزل الى الشوارع فاندسّ الفاسدون بين الناس ليحوّلوا جبل الثورة الى فأرٍ!
إذا تمكنت الدول الكبرى المُحِبّة للبنان من اخراجه من الإنهيار الذي يهدد وجوده بالتعاون مع طائفة اللبنانيين الوحيدة الإيمان بلبنان، فيجب العودة الى الطائف وتطبيقه، ليس بنصه فحسب بل بروحه أيضاً، وإلغاء الدستور بكامله وادخال بعض التعديلات على وثيقة الطائف وجعلها دستوراً للبلاد وليس نقضها وكتابة دستور هو عكسها وعكس الطائف تماماً في مؤتمر وطني يشارك فيه عظماء الوطنيون والمفكرون والطاهرون من كل الطوائف ويبحثون عن نظام جديد:
• رئاسي أم برلماني
• إلغاء الطائفية
• اللامركزية الإدارية
• مجلس شيوخ طائفي ومجلس نواب غير طائفي
• استقلال القضاء
• هيئة إلغاء الطائفية
• تطبيق قانون الإثراء غير المشروع
• لبنان على الحياد
ان النملة تملك وطناً، والضفدع يملك وطناً، ونحن سرقوا منا وطننا لذا صرنا نسكن وطناً بالإيجار، لهذا فإن المغتربين اللبنانيين الذين يَعدّون أكثر من المقيمين لهم دور كبير في الإصلاح واعادة تمليكنا لبلدنا.
فالمغتربون هم ضعف المقيمين، والمغتربون أصبحوا قوة في البلد الذي يقيمون فيه، هذه النخبة هي التي يجب أن تشارك بأرجحية، فالإنتخابات بيّنت أن نخبة المغتربين هي في خط الإصلاح والطاهرين.
نعود الى عهد فؤاد شهاب، نعود الى الـ 22 يوماً بعد انتخاب بشير الجميل، نعود الى الجنرال ديغول، نعود الى لبنان ريمون إده، نعود الى عشاق لبنان، يا عشاق بيروت القدامى هل وجدتم بعد بيروت البديل؟ في هذا الإتجاه يجب أن نذهب وأن نجتمع وأن نخطو بصلابة وحزم وعزم ونردد مع نزار قباني: يا عشاق بيروت القدامى هل وجدتم بعد بيروت البديل؟