يروي أحد العارفين في خبايا السياسة اللبنانية، في مجلس خاص تفاصيل ما جرى من احداث وتطورات في الآونة الاخيرة أفضت الى انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية كخطوة اولى على طريق «ترييح» الساحة الداخلية بسلسلة من الاجراءات السياسية التي ستسفر في نهاية المطاف عن اعادة الاعتبار لمفهوم الدولة وترسيخ دورها واعادة ضخ الروح في المؤسسات المكوِّنة لكينونتها، وهي خطوة لا بد سيتم الحاقها بخطوات اخرى تسهيلية وابرزها تشكيل حكومة وفاق وطني تضم بين جنباتها ممثلين عن كل المكونات السياسية والروحية والمناطقية للانطلاق نحو اقرار قانون عصري للانتخابات النيابية يتماشى مع متطلبات المرحلة وبما يضمن وصول ممثلين عن القوى السياسية المتمثلة حالياً، بشكل هو اقرب ما يكون الى التوزيعة المتساوية بينها والعاكسة لتمثيلها الشعبي.
وفيما يلفت المصدر السياسي الى ان قانون الانتخابات المرتقب هو ما تدور حوله وعليه كل المعارك الدائرة حالياً بين مختلف القوى السياسية، في إطار التفاوض غير المعلن فيما بينها بهدف حصول كل طرف على ما هو أكبر من حصته فعلياً، في سياق تكبير الحجر على قاعدة ان البازار الانتخابي مفتوح على المزايدات ، وبالتالي فإن الجميع يرفع اسقف مطالبه بأشكال متدرجة بغية التوصل معه لاحقا الى نتيجة ترضيه، وبالتالي فإن الكل بات معنياً بتشكيل الحكومة على هذا الاساس لتكون منتدى يتلاقى حول طاولته الجميع ويساهمون بالتالي من خلالها في تقديم تصوراتهم الخاصة، وبما يمكنهم من تسويقها ووضع رؤاهم المتعلقة بالقانون الانتخابي العتيد موضع البحث والدرس بشكل يتيح تقييد «لعبة» المقترحات المتعلقة بالقانون الانتخابي ضمن دائرة المحظورات التي تمنع مناقشة اي فكرة من شأنها ان تبيح تسرب اي قوة او مجموعة سياسية الى الندوة البرلمانية سواء كانت في اطار متكتل او على شكل فرادى لأن ذلك محفوف بأخطار كبيرة وكثيرة وليس اقلها امكانية الاطاحة بالمفاهيم المكرسة والسائدة منذ زمن بعيد في توزيع مغانم السلطة، وتقسيمها بأشكال متعددة ومتفاوتة على القوى السياسية المكونة لها في الزمن الحالي.
وانطلاقاً من هذه الثوابت والمعطيات، يقرأ المصدر في توجهات القوى السياسية المختلفة الان على تشكيل الحكومة ربطاً بالمهمة المنوطة بها اولاً وهي اقرار والاشراف على الانتخابات وليس طمعاً في عمرها الذي لن يتعدى ال7 اشهر في احسن الحالات، ودائما على قاعدة ان «من حضر السوق باع واشترى»، وهذا ما يجعل بعض الفرقاء السياسيين يرفعون مطالبهم المتعلقة بشأن تشكيل الحكومة بشكل غير منطقي ولا عقلاني بحيث تطلب حصصاً وزارية تتجاوز أحجامها الحقيقية بكثير سواء على مستوى اعداد الوزراء او على مستوى الحقائب الوزارية وتصنيفها السيادي والخدماتي والمهم والعادي والى ما هنالك من تصنيفات وزارية يكثر الحديث بها خلال تشكيل الوزارات عموماً.
وانطلاقاً من السقوف المرفوعة وخاصة من بعض القوى السياسية الصغيرة بأحجامها كما بعدد نوابها فإن مسار تشكيل الحكومة ما يزال يرواح مكانه، وما يزال قطار التأليف راسياً في محطته الاولى رغم ان كل القوى الرئيسية تستعجل التأليف لاطلاق عجلة العهد الجديد وترسيخ المعادلة الجديدة في الشراكة الوطنية بين الإئتلاف الجديد المكون للسلطة.
وفي هذا السياق يقول مصدر سياسي ان العقدة في تأليف الحكومة توقفت اليوم عند بديهيات التقسيم العادل والمنطقي للوزارات، فما يطلبه رئيس حرب القوات سمير جعجع من وزارات بالجملة تتجاوز كل واحدة منها بمفردها حجمه الحقيقي سياسياً وشعبياً، لا يمكن ان يلبيه لا رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ولا رئيس الجمهورية ميشال عون، لأن ذلك يعني افتئاتاً على حصص قوى سياسية اخرى ابرزها التيار الوطني الحر الممثل شعبيا على الساحة المسيحية اضعافاً مضاعفة لما يمثله جعجع فعلياً، وبالتالي فان ما يطلبه قائد القوات محصور بالحصة المسيحية التي باتت معروفة للجميع ولا سيما فيما يتعلق بالتوزيع الطائفي للوزارات السيادية الاربع، ولذلك فإن جعجع اليوم يوجه سهامه الحقيقية نحو حليفه الجديد عون، وان حاول تعمية الامور والتصويب كعادته على آخرين ليصيب جهة أخرى فعلياً..لكنه الان هو عنوان العرقلة وهو من يضع العصي في دواليب حكومة الحريري.
ويكشف المصدر عن ان التشاطر الحاصل في موضوع وزارة المال والتغابي في هذا الصدد لن يوصل احداً الا الى الطريق المسدود، فهذه الوزارة اذا ارادوا تطبيق اتفاق الطائف هي من حصة الطائفة الشيعية وبمعزل عن التوزيعة الطائفية للوزارات السيادية الاربع، نظرا لما تشكله وما تعنيه من توقيع ثالث يكرس الشركة الوطنية الفعلية بين مقومات الوطن، وما كان يحصل سابقاً من تجاوز لهذه الثابتة انما كان يندرج في اطار الخروقات المتعمدة والتجاهل المستمر لمندرجات اتفاق الطائف، وكان يحصل دائماً بظروف سياسية كان المكون الشيعي يؤثر إيجاد الحلول لبعض عقد التأليف من حساب حصته الخاصة وهذا الامر حدث مراراً وكان آخرها لدى تأليف حكومة الرئيس نجيب ميقاتي السابقة لحكومة سلام الحالية والتي آثر فيها رئيس مجلس النواب نبيه بري ان يكون توزير فيصل كرامي من حساب الحصة الشيعية بعدما توقف التأليف شهورا عديدة على توزيره.
وحذر المصدر «بعض المتذاكين» من العودة لنغمة خرق الطائف ولا سيما القائلين بعدم جواز وضع وزارات معينة باسماء طوائف بأن هذا الكلام المستهتر واللامسؤول سيوصل الى كلام مماثل واسئلة مماثلة من قبيل: لماذا يجوز تكريس بعض الرئاسات لطوائف محددة ولا يجوز تكريس بعض الوزارات في السياق عينه؟
ورأى المصدر السياسي ان هذه «البهلوانيات السياسية» من شأنها ان تعيد طرح اتفاق الطائف برمته على المشرحة قائلاً ان اردتم تطبيق الطائف فلتطبقوه بحذافيره واذا كنتم لا تريدون ذلك فجاهروا بنياتكم علناً لنتفق على سواه.
وقال للمتذاكين ولا سيما من اصحاب التصريحات البهلوانية ان يعودوا الى محاضر الطائف اذا كانوا يريدون تطبيقه وللنظر في جوهره القاضي بتوزيعة سلطوية متناغمة بين الطوائف بما يحفظ توقيع الطوائف الرئيسية الثلاث على القرارات الوطنية وذلك لا يتحقق الا من خلال وجود وزارة المال مع شيعي باعتبار ان تواقيع كل القرارات والمراسيم يحتاج الى توقيعي رئيسي الجمهورية والحكومة ووزير المال اضافة الى توقيع الوزير المعني، علماً ان ذلك قد لا يكون طموح السياسيين من ابناء الطائفة الشيعية، ولكنه مكرس كحق في الاتفاق الذي وزع السلطة في لبنان، فلماذا محاولات الاعتداء على حقوق الآخرين؟؟
وحذر المصدر من ان مثل هذه التصريحات الطائشة من شإنها ان توصل الى طرح الصيغة من اساسها، والقوى السياسية الشيعية التي آثرت تجميد انتخابات رئاسة الجمهورية اللبنانية ل31 شهرا عندما وجدت ان ثمة من يحاول القفز فوق مكون سياسي مسيحي يحظى بالشعبية والتمثيل وان القوى الاخرى تتجاهله وتحاول التذاكي والتشاطر عليه، الى ان فرضت الاتفاق فرضاً والتحالف بين كل المكونات السياسية اللبنانية والاتفاق عليه مرشحاً اوحد لرئاسة الجمهورية، وبذلك تكون هذه القوى صاحبة فضل وجميل على الجميع لأنها هي التي دفعت بهذا الاتجاه وهذه الحلول التي خرج منها الكل رابحاً ومرتاحاً، وبالتالي فان كل تلك المحاولات والبهلوانيات الطائشة لن تجدي نفعاً وسترتد على اربابها.