أضافت الصواريخ الإيرانية التي انطلقت من كرمنشاه في غرب إيران نحو أهداف في منطقة البوكمال السورية، مروراً بالأجواء العراقية، عاملاً مقلقاً على صعيد المضي في التصعيد المفتوح بين الولايات المتّحدة والجمههورية الإسلامية. الحرس الثوري الإيراني الذي قال أنّ هذه العملية هي ثأرية وموجهة نحو مجموعات إرهابية في شمال شرق سوريا، إنما حاول النأي بها بعيداً عن عرب الأهواز وعدم وضعها في إطار الحراك السياسي رداً على التهميش المزمن الذي يتعرضون له، وهو لم يقدّم في الوقت عينه أي دليل على ارتباط هذه العملية بهذه التنظيمات المتشددة. الحرس الثوري ومن خلفه قيادة الجمهورية الإسلامية التي تعاني داخلياً من وقع العقوبات الأميركية وتنتظر المزيد منها في الأسابيع المقبلة، كما تعاني في الوقت عينه من وضع دقيق في العراق وسوريا لم ترَ بديلاً من المضي في التصعيد وهي حاولت توظيف ردة فعلها على عملية الأهواز في أكثر من اتّجاه.
الهجوم الصاروخي بالرغم من فشله من الناحية التقنية، بدليل سقوط ثلاثة من الصواريخ الستة التي أُطلقت في الداخل الإيراني وعدم وجود أي دليل على تحقيقها أهداف عسكرية، شكًل رسالة تتخطى أبعادها ضرب تنظيم إرهابي. أرادت إيران الذهاب الى أبعد ما يمكن أن يتصور أطراف التحالف الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة. إيران قرّرت المجازفة واختبار ردّة فعل الأميركيين وهي بذلك تعلن بداية مرحلة جديدة في العلاقات الأميركية الإيرانية.
ردّة الفعل الإيرانية تأتي في سياق جملة من التطورات التي تديرها الولايات المتحدة مباشرة أو بالوكالة والتي توحي بأنّ لا سقف للصراع مع إيران وأنّ المنطقة مقبلة على جملة من الصراعات المفتوحة التي تعززها المعطيات التالية:
1- إجتماع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن لبحث التهديدات الإيرانية للمنطقة والأوضاع في اليمن وسورية والعراق إضافة إلى الخلاف الخليجي. هذا إلى جانب تشكيل تحالف إقليمي دولي يضم الدول الخليجية المشاركة والولايات المتحدة واحتمال إنضمام دول أخرى في المستقبل. الإجتماع أكّد على أهمية تحقيق السلام والإستقرار في سوريا واليمن وضمان عراق مزدهر يشمل الجميع وضرورة وقف نشاط إيران الخبيث في المنطقة، وهزيمة تنظيم داعش والمجموعات الإرهابية الأخرى. نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الخليج العربي، تيم لاندركينغ كان صرّح في مقابلة حصرية مع قناة «الحرة» إنّ الولايات المتحدة تبحث إدراج شركاء جدد من آسيا وأوروبا في التحالف المزمع إعلانه مع دول الخليج إضافة لمصر والأردن، مؤكدأ إن «إسرائيل لن تكون جزءا من هذا التحالف».
2- نجاح قمّة سوتشي بين روسيا وتركيا في وقف العملية العسكرية في إدلب وبدء تسليم الأسلحة الثقيلة وخروج المسلحين المتطرفين. يشكّل هذا التطور البطيء بداية لعملية سياسية تبدأ بعقد قمّة حول النزاع في سوريا بين قادة فرنسا وألمانيا وتركيا وروسيا خلال النصف الأول من الشهر الجاري. هذا بالإضافة الى دعوة المجموعة المصغّرة حول سوريا، التي تضمّ كلاً من ألمانيا والسعودية ومصر والولايات المتحدة وفرنسا والأردن والمملكة المتّحدة، مبعوث الأمم المتحدة الخاصّ ستيفان دي مستورا إلى تنظيم أول إجتماع للجنة مكلّفة صياغة دستور وإجراء إنتخابات في سوريا. الواقع السوري الجديد قد يجعل من شمال شرق سوريا مسرحاً لصدام طويل بين إيران من جهة والولايات المتّحدة وحلفائها من جهة أخرى.
3- خروج المسلحين المتطرفين من إدلب بطريقة ضبابية والى جهات غير معروفة سيعطي جرعة غير متوقّعة لانتشار موجة من العنف في الإقليم. مستقبل المتطرفين وميادين أنشطتهم لن يكون إلا انعكاساً لأولويات الدول المؤثّرة في المشهد. هذه الدول تريد نقلهم من مناطق الإشتعال لاستخدامهم في ظرف دولي جديد، وربما تكون الوجهة الساحل الإفريقي. تشكّل ليبيا إحدى الوجهات حيث ينضم هؤلاء الى المجاهدين الموجودين في طرابلس لتوظيفهم في مشاريع إنتقامية، كما تشكّل الصومال إحدى الوجهات كذلك إذا أراد اللاعبون الدوليون إضفاء بعدّ دولي على حركة الشباب المجاهدين المبايعة للتنظيم، وقد تشكّل قطر كذلك مركز إستقبال للقيادات الإخوانية حيث يستفيدون من قانون الإقامة الدائمة لغير القطريين. أذرع إيران ومناطق نفوذها قد لا تكون بمنأى عن أنشطة هذه المجموعات الإرهابية.
لبنان الذي طالته محاولات الإستدراج الإسرائيلية لإدخاله ضمن لائحة الأهداف الإيرانية بعد تصريح نتانياهو بوجود مصانع للأسلحة في محيط مطار رفيق الحريري الدولي، لم يُبدِ حتى الآن أي نوع من المناعة الوطنية بدليل تقديم المحاصصة الحكومية على تعزيز الإستقرار الوطني. يدرك الزعماء المحليون أنّ لا مكان لهم في لعبة الأمم ، ولكن لا يبدو أنهم عازمون على وقف التوظيف في الظروف الإقليمية والتلاعب في المعادلات الداخلية. العام 1990 ورفض إتفاق الطائف وتحدّي الإرادة الدوليّة لم يكن إلا ذريعة لإدخال الجيش السوري في صلب الحياة السياسية والعبث بالدستور وفرض وصاية استمرت خمسة عشر عاماً. فعلى من ستُلقى هذه المرة تبِعة الوصاية على الحياة السياسية للعودة بلبنان الى ما قبل الطائف وما هي الأثمان؟
* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات