IMLebanon

الطائف فقد فعاليته لأنه لم يطبّق كاملاً المشكلة ليست في النصوص إنما في النفوس

المشكلة في لبنان ليست في الدساتير ولا في القوانين انما في التطبيق والممارسة، والمشكلة ليست في النصوص انما في النفوس، فلبنان لا يشكو من قلة القوانين انما من قلة تطبيقها او من سوء تطبيقها فتصبح مرفوضة.

لقد انقسم اللبنانيون بين مؤيد لاتفاق الطائف وكان افضل الممكن في حينه، ومعارض له في الشكل والمضمون وله ملاحظات كثيرة عليه، لكن هذا الاتفاق لم يطبق تطبيقاً دقيقاً كاملاً ولا صار سد الثغر التي ظهرت من خلال التطبيق والممارسة فوقع اللوم على هذا الاتفاق وليس على من تولّوا تطبيقه انتقائياً خصوصاً بعدما انتهت الوصاية السورية التي اتهمت بأنها كانت وراء عدم تطبيقه تطبيقاً دقيقاً كاملاً، حتى ان مقدمة الدستور نفسها لم تترجم ترجمة كاملة وصحيحة ذلك ان لبنان لم يكن وطناً سيداً وحراً مستقلاً وعلى ارضه قوات سورية دخلت اليه باسم الوصاية لوقف الاقتتال فيه، وقوات فلسطينية ارادت تحرير الأراضي الفلسطينية التي تحتلها اسرائيل من لبنان، وقوات اسرائيلية تسرح وتمرح في جنوبه لصد العمليات الفدائية للقوات الفلسطينية. ولم يكن لبنان كما جاء في مقدمة الدستور “وطناً نهائياً لجميع ابنائه” لأن منهم من ظل ولاؤه لغير لبنان ولا يعتبره نهائياً بحدوده الحالية، ولا ساعد على جعله واحداً ارضاً وشعباً ومؤسسات تحت حكم دولة واحدة وجيش واحد. ولم يكن الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية، لأن القوانين التي أجريت الانتخابات النيابية على اساسها لم تكن عادلة ولا متوازنة ولا حققت التمثيل السياسي الصحيح لشتى فئات الشعب وأجياله، لأن الوصاية السورية لم يكن من مصلحتها وضع مثل هذه القوانين، ولا الزعامات اللبنانية بعدها كان ذلك من مصلحتها بدليل ان الوصاية السورية على لبنان انتهت ولم يتم التوصل الى اتفاق على وضع قانون عصري وعادل ومتوازن للانتخابات، فاستمر العمل بقانون الستين الذي وضع في عهد الرئيس فؤاد شهاب على امل ان يطبق مرة واحدة فكان تطبيقه لمرات… وما وضع من قوانين بديلة منه كانت اسوأ تمثيلاً، ولا قام نظام على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها بل كان تداخل بين هذه السلطات وتدخل سلطة في شؤون سلطة أخرى، ما اثار الخلاف على الصلاحيات واختلافاً على تفسيرها وتطبيقها، ولا طرح البحث في اعادة النظر في توزيعها لتصبح اكثر عدالة وانصافاً خصوصا بين الطوائف الثلاث الكبرى التي تتولى كل واحدة منها سلطة من السلطات الثلاث… ولا تحقق الانماء المتوازن للمناطق ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً ليكون تحقيق ذلك ركناً اساسياً من اركان وحدة الدولة واستقرار النظام. فلو أن هذا الانماء تحقق لما كانت مناطق تشكو من الفقر والحرمان اللذين يولّدان في النفوس والعقول نزعة العنف والارهاب التي بلغت حد التهديد بازالة الحدود بين دول المنطقة، وقام تحالف دولي لمحاربته. فهل ينتصر عليه ومتى؟ إن من يفضل الموت على بؤس الحياة يظل أقوى ممن يريد الحياة، وما من سلاح اقوى ممن يريد الموت حتى انتحاراً. كذلك لم يتم إلغاء الطائفية السياسية كهدف وطني أساسي يجب العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية، فأدى عدم إلغائها الى استبدال النظام الديموقراطي ببدعة نظام غير موجود هو “الديموقراطية التوافقية” التي تبين عند تطبيقها ان الكلمة فيها هي للأقوى بين ضعفاء، فهو الذي يحدد المواضيع التي تحتاج الى توافق لبتها، وتلك التي لا تحتاج الى توافق انما لأصوات الاكثرية العادية. وقد ثبت ان لبنان عندما كان يمارس النظام الديموقراطي العددي في ظل احزاب وطنية، كان لبنان ينعم بالأمن والاستقرار والازدهار، وعندما بدأ يمارس “الديموقراطية التوافقية” التي تشارك من خلالها كل المذاهب في اتخاذ القرارات وفي ظل احزاب طائفية لم يعد في الامكان تشكيل حكومات الا بعد أزمة طويلة، ولا الاتفاق على اتخاذ قرارات في المواضيع المهمة لأن شرط التوافق هو الذي يسمح باتخاذها ما جعل عجلة الحكم تتعثر في سيرها وتصاب بـ”الكربجة”.

ومع ان مقدمة الدستور نصت على أن “أرض لبنان ارض واحدة لكل اللبنانيين وان لا فرز للشعب على اساس اي انتماء كان ولا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين” فان الواقع الذي اخذ يظهر على الارض يدل على بداية فرز للشعب يهدد بالتجزئة والتقسيم اذا ما حصل التوطين، سواء للفلسطينيين أو لغيرهم، وعندها لا تعود الارض واحدة للبنانيين وحدهم، ولا المؤسسات واحدة ولا الشعب واحداً، وتصبح الشرعية لأي سلطة، وان كانت تناقض ميثاق العيش المشترك ليست شرطاً بين مجموعة شعوب كما هي بين شعب واحد.

على اللبنانيين اذاً ان يتعلموا احترام القوانين والدساتير عند تطبيقها وممارستها قبل ان يطالبوا بتغييرها لأن العلة ليست في النصوص انما في النفوس.