عندما ترتفع لهجة الخطاب الديبلوماسي عبر تصاريح أو بيانات مكتوبة، خلافاً للأصول المعتمدة والمتعارف عليها والتي تمنع على أي بعثة ديبلوماسية التعاطي في الشؤون الداخلية للدولة المعتمدة فيها، يظن المتابع ان الامور شديدة التعقيد وأن المواجهة حامية. إلا أن العارفين في بواطن الامور، لا تنطلي عليهم هذه «العراضات»، خصوصاً أولئك الذين يمضون ساعات من الليل على مائدة واحدة مع هذا الديبلوماسي أو ذاك، حيث تُختزل المساحة الديبلوماسية وينطلق الكلام على سجيته.
«منذ الانسحاب الاسرائيلي من لبنان في العام 2000 أيقنّا بأن حزب الله مترفّع عن الدخول بقوة في المعادلة اللبنانية، وأن المساحة السياسية الداخلية ضيقة جداً على ما استطاع مراكمته، وهو الذي أثبت أنه قادر على خوض غمار مواجهات على مستويات مختلفة عسكرية وأمنية وسياسية واقتصادية، وبخبرات عالية تعجز عنها معظم دول المنطقة».
هذا الكلام ليس لقيادي في قوى «8 آذار» ولا لحليف لـ «حزب الله»، إنما لسفير دولة غربية كبرى، قاله في عشاء ضيق مع صديق لبناني مخضرم، حيث قدم عرضاً للتطورات الراهنة، مغايراً لما تتعمد دولته إعلانه او التصريح به.
في رأي ذلك السفير الغربي أن «الانتخابات الرئاسية في لبنان أصبحت مرتبطة عضوياً بتطورات الاوضاع في سوريا خاصة والمنطقة عامة. وهذا الامر لن ينتهي إلا بالذهاب الى طائف جديد، هو عبارة عن نسخة منقّحة جديدة من الطائف المعمول به منذ عقدين ونصف العقد». يضيف: «الرهان على ذكاء القيادات اللبنانية، وتحديداً القيادات السنية والشيعية، بأن تكون هي المبادرة الى صوغ هذا التنقيح الذي يعزز من دور المكون المسيحي، وعدم استنساخ الصراع الدامي الذي سبق إقرار الطائف».
في اعتقاد السفير أن «أهم إنجاز للحوار السني ـ الشيعي القائم حالياً، هو الخروج بموقف واضح من هذه المسألة الحساسة والخطيرة، على قاعدة ان المكون المسيحي هو الرئة التي يتنفس عبرها الكيان اللبناني وتمده بأسباب ديمومته واستمراره، وليس هناك عقدة في إحاطة هذا المكون برعاية استثنائية كي يصبح المحمية الوطنية الممنوعة من التسييل في أي بازار سياسي او غير سياسي».
ويضيف «أن محور إيران في المنطقة، الممتد من صنعاء الى بغداد مروراً بدمشق ووصولا الى بيروت، قد انتصر فعلياً على الارض ولو ان دول المنطقة لم تعترف بذلك صراحة، وهذا الانتصار سيترجم بإعطاء الشيعة في اليمن والبحرين والسعودية حقوقهم، وفي لبنان سيعاد النظر في صلاحيات المؤسسات الدستورية لمصلحة المكِّون المسيحي من أجل حفظ التوازن الوطني. وهذا الامر يريح الاعتدال السني والشيعة في لبنان. وهو ما حدا بالجنرال ميشال عون ليعلن منذ أشهر أن المعركة هي على مستقبل الجمهورية وليست على مستقبل رئاسة الجمهورية، لأنه يعلم أن انتصار محور المقاومة في المنطقة سيؤدي الى تعديلات في اتفاق الطائف، بحيث يُسجَّل لعون تاريخياً انه كان عرّاب استعادة صلاحيات لرئاسة الجمهورية».
وتابع السفير الغربي يقول «إنه فور التوصل الى اتفاق بين واشنطن وطهران حول الملف النووي، فإن الامور ستبدأ تدريجياً بأخذ مسارها الطبيعي نحو الحلحلة على المسارات العراقية واليمنية والسورية واللبنانية كافة.. أما الاحتفالية التي أقيمت لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في الكونغرس الاميركي، فلم يكن هدفها التشويش على المحادثات الاميركية ـ الايرانية، إنما دعم نتنياهو في حملته الانتخابية لأن واشنطن راغبة في عودته الى رئاسة الحكومة لإكمال مسيرة السلام المتعثّر مع الفلسطينيين، حيث ان واشنطن لا تزال تعتبر ان نتنياهو هو الشخصية الأكثر قدرة على استيعاب التسوية المنتظرة مع الفلسطينيين اكثر من اي شخصية اسرائيلية في الوقت الراهن».
واوضح السفير ان «واشنطن ليست مرتاحة فقط للعملية العسكرية التي بدأها الجيش العراقي مدعوماً من إيران لتحرير مدينة تكريت ومحافظة صلاح الدين تمهيداً لتحرير الموصل، بل هي أبلغت بغداد مباركتها لهذه العملية مسبقاً. وأوضحُ دليل على ذلك إشادة نائب الرئيس الاميركي جو بايدن بهذه العملية، أضف إلى أن مباركة واشنطن لهذه العملية هي التي دفعت الحكومة العراقية إلى توزيع صورة لقائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني وهو يقود عملية تحرير تكريت وصلاح الدين».
على ضوء ذلك، يتوقع السفير المذكور «أن تتجه الامور في سوريا الى الحسم التدريجي لمصلحة النظام، وصولاً إلى الحسم النهائي فور الانتهاء من العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش العراقي في صلاح الدين ومن ثم الموصل، والتي ستأخذ أشهراً قد تمتد إلى نهاية العام الحالي. ولكن هذا لا يعني أن التركيبة السياسية في سوريا ستبقى على حالها، إنما هناك تغيير جذري ونوعي سيحصل لاستيعاب نتائج الحرب السورية التي عمّقت الشروخ في بنية المجتمع السوري».
وكشف السفير انه «في آخر اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الاوروبي بمشاركة وزير الخارجية الاميركي جون كيري، تعالت أصوات من بعض الوزراء الاوروبيين تدعو الى التعامل بإيجابية مع إيران وحزب الله وسوريا باعتبارهم يقودون، فعلاً لا قولاً، الحرب ضد الإرهاب التكفيري الذي بدأ يطرق العواصم الاوروبية وداخل بعضها، بينما التحالف الدولي الذي انشئ لمواجهة داعش وأمثالها لم يعط إلا نتائج بسيطة جداً مقابل النتائج الكبيرة التي حققها مثلث إيران وحزب الله وسوريا في مواجهة الإرهاب، لا بل بعض الاصوات ذهب الى حد المطالبة بفتح قنوات التواصل على مختلف المستويات مع هذا المثلث».
وتحدث السفير الغربي بإسهاب عن إعادة إعمار المنطقة، لا سيما «دول الربيع العربي»، التي تقدر كلفتها بتريليونات من الدولارات، قائلًا «إن الادارة الاميركية بدأت البحث في خطط إعادة إعمار دول المنطقة من ليبيا وتونس إلى مصر والعراق وسوريا واليمن.. وأن التقديرات الأولية لإعادة إعمار سوريا تشير، حتى الآن، الى نحو مئة مليار دولار، وإذا أحسن لبنان ترتيب أوضاعه الداخلية سيكون من أبرز المستفيدين على هذا الصعيد».
كثير من الكلام أورده السفير، لا سيما ما يتصل بتقييمه لشخصيات وقيادات لبنانية، وطبعاً من زاوية نقدية، وكلام آخر يبقى طي الكتمان «لأن المجالس بالأمانات».