Site icon IMLebanon

«الطائف» يترهّل

في ذاك الأحد الانتخابيّ، تبدّلت مشاعر المتطوّعين/ات مع «بيروت مدينتي» تبعاً لتبدّل مراكز الاقتراع. يبتسمون لحجم الـ «زيّ ما هيّ» أمام مركزٍ في البربير، تنفرج نقاشاتهم والإمكانيّات في الرميل أو الجمّيزة، يتفاجأون بأصواتٍ تشتهي لنفسها الجمال في العامليّة.. لم يشتبك مع «مدينتي» طرفٌ بشراسة، لا لسلميّتها فحسب، وإنما لكونها خارج فهرست «الأطراف» التي صادرت الدولة. حتى أن «الأطراف» حاولوا ترويضها عبر تقديمها كحمامة سلام «نقتدي بها»، إسكاتها عبر طلسها بالورديّ المثاليّ. فهي ليست ندّاً معتاداً. تأتيهم من خارج ملعبهم. لسنا أولاد الطائف، وإنما نحن ضحاياه. والطائف ليس شرط السلام، مثلما يهدّدنا دوماً مجرمو الحرب والاقتصاد. للطائف ضحايا مثلما للحرب ضحايا، ولسنا جميعاً «مسؤولين» مثلما روّج مرسوم العفو العام. «مدينتي» أبرزت في العاصمة وجهاً أليفاً وخارج الطائف. لا يعني ذلك أن أهل الحملة «أنقياء» أو أهل سواها ميليشيات. ولكن، يعني ذلك أن الخارجين والخارجات عن الطائف، الذين ما انفكوا يتشكّلون وما سئموا يحاولون، تلاقوا في التجربة مع مصالح الناس المتعايشين مع زعامات الطائف، بحماساتٍ متفاوتة. تلاقوا في مشروعٍ محفّز، لا يقيّمهم تبعاً لخياراتهم تحت الطائف. يحيّدها.

«بيروت مدينتي» قدّمت طريقاً آمناً للناس الذين عاشوا ماضي لبنان وانغمسوا بالانتماء فيه، لكي يخرجوا عنه من دون أن يكفروا بأنفسهم/ن، شهداءهم/ن، مصالحهم/ن ضمن واقعهم/ن… كذلك، أتى الزمن ليعلن ترهّل «رجال» النظام وأحزابهم، أكانت وجوههم قد أضحت شابّة بفعل الوراثة أو تعكس ندوب السنين التي عشناها تحت سلطتهم. العمر، لكن أيضاً الزمن. تغيّر. نعرف ما يجري في سوريا، ونعرف ما يجري في السعودية. لا هذا مغرٍ ولا ذاك مغرٍ. ولفداحة التبعيّة، النظام بشقّيه يحصر حاضر لبنان في سياق هذا وذاك. تتعطّل الدولة تماماً كما لم تفعل في زمنٍ غير حربيّ من قبل، كرمى لهذا السياق وذاك. تسكن الزبالة الهواء، تنهار المؤسسات على موظفيها، تتصاعد فضائح الفساد بلا اكتراثٍ لتوريتها، فيُصاغ خطاب استنهاضٍ انتخابيّ للعاصمة على قياس سكسوكة رجلٍ وطائفته. قالت صناديق لبنان إن الناس قرفوا، أكانوا أهل الأشرفية الذين ينظرون إلى لائحةٍ تجمع كلّ شهيدٍ مؤسِّس بالمتهم بقتله، أو أهل المصيطبة والمزرعة الذين قاصصوا السكسوكة بالاعتكاف، أو أهل البقاع الغربي وبعلبك حيث تعويم الـ «زيّ ما هيّ» الصفراء صار يتطلّب حضور نائب أمينٍ عام والبوسطات. أهل لبنان قرفوا.

لا يتقدّم التغيير عادةً في خطٍّ متماسكٍ من ألفٍ إلى ياء. نحقّق تقدّماً هنا، قد تليه انتكاسة. يأتي حدثٌ ليخلط الأوراق، ثم يفرض شأنٌ حياتيٌّ نفسه على وجه الصورة. صوت «مدينتي» شقّ صدر بيروت وأدخل إليها هواءً من خارج علبة الطائف السوداء، لكن ذلك قد لا يعني أن أول انتخاباتٍ نيابية مقبلة ستقلب النظام. قد تطوّقه، قد ينهار لفساده، وقد تقوّيه موجة «الحلّ السوريّ»… لكن التناقض ما عاد محتكراً اليوم بين «مستقبل» و «حزب الله» أو «عونيين» و «قوات». صاروا عجينةً واحدة. وجوه نادر صعب هذه، لا تشي بالجمال وإنما التجميل. ما عاد الصراع بين «حبّ الحياة» و «الحياة بكرامة». لقد صار الصراع بين «عصبة الطائف» بأمها وأبيها في ناحيةٍ، وبين الحياة هنا، خارجها، وعلى تنوّع الإمكانيات.

هذا أهمّ ما ثبّتته «بيروت مدينتي»، حتى الساعة.