IMLebanon

للطائف كلمته في «قانون الانتخاب».. ومن العبث تجاهلها

مدهش هذا التوافق الواسع النطاق بين القوى السياسية، ما عدا «حزب الله»، على مرجعية إتفاق الطائف (من دون أن يطرح الحزب نفسه كحركة «أنتي طائف» على نحو منهجي ومعلن)، في مقابل قلّة الإتيان على ذكر الطائف في كل هذه المعمعة المتّصلة بقانون الإنتخاب الجديد، والتي تعقب ربع قرن من الإستعصاء الحقيقي بشأن بلورته، والإستعاضة عنه طيلة هذه المدّة إمّا بقوانين إعتباطية المعايير على نحو فاضح، وإمّا بالرجعة إلى قانون الستين، الذي يتميّز عنها بإقترابه من وحدة المعايير، وإمّا بالإستغناء عن الإنتخاب لمدّة أو مدّتين، بتمديد المجلس لنفسه، بذريعة إخفاقه في سنّ قانون جديد للإنتخاب.

لقد شدّد خطاب قسم الرئيس ميشال عون على «ضرورة تنفيذ وثيقة الوفاق الوطني»، كما ذكّر البيان الوزاري بـ«وفاقنا الوطني المكرّس بإتفاق الطائف». مع هذا، تسيطر على الأخذ والردّ بصدد القانون الإنتخابيّ، مروحة من الإحتمالات – مشاريع القوانين، ومن التعليلات والتسويغات المصاحبة لها، كما لو أنّ الطائف لم يتلفّظ بكلمة حول قانون الإنتخاب. كما لو أنّ اللبنانيين يبحثون عن قانون جديد للإنتخاب على ورقة بيضاء، وليس على ورقة مقيّد عليها، اعتماد «قانون انتخاب جديد على أساس المحافظة يراعي القواعد التي تضمن العيش المشترك بين اللبنانيين وتؤمن صحة التمثيل السياسي لشتى فئات الشعب وأجياله وفعالية ذلك التمثيل، بعد إعادة النظر في التقسيم الإداري في إطار وحدة الأرض والشعب والمؤسسات». هذا من أساسيات الطائف، ولم يرصف هذا الكلام للزخرفة. لا يعني ذلك أنّ هذا الكلام يقيّد كل حركة اللبنانيين التشريعية لإقرار قانون إنتخاب يتفقون عليه الآن، لكن هذا البلد ليس من النوع الذي يمكن التعامل معه بالإهمال أو كأنه لم يكن، خصوصاً عندما نكون في وضع يغني فيه كلّ على ليلاه. في وضع كهذا يعود، لا يمكن تنحية المنصوص عنه في اتفاق الطائف، كما لو أنّه بياض في النص. كما لو أنّنا بلد جديد يبدأ اليوم فقط تجربته الإنتخابية والسياسية!.

خطاب القسم، البيان الوزاري، يقولان بمرجعية الطائفة. وقبلهما اعلان النيات بين «القوات اللبنانية» والتيار «الوطني الحرّ»، وكافة أدبيات قوى 14 آذار. ليس هناك من وثيقة سياسية مهمّة في لبنان بعد الحرب نحّت إتفاق الطائف سوى ورقة تفاهم مار مخايل، الذي دعا الى قانون انتخابي «قد تكون النسبية أحد أشكاله الفعّالة». لافت هنا عدم الجزم، ولو من باب سلاسة الصيغة.. أو إبهامها.

إذاً عندما يقفز فريق للقول الآن، نسبية شاملة، مع أو من دون القيد الطائفي، فهذا أمر لا علاقة له بإتفاق الطائف. صحيح أنّ الطائف لم يطرح قانوناً انتخابياً جاهزاً ونهائياً، بل ربطه بمحدّد هو إعادة النظر بالتقسيم الإداري، لكنه كان واضحاً باعتماد المحافظة، في فقرتين مختلفتين من نص الإتفاق. إذاً إما العودة إلى ما قبل الطائف (القضاء) وإما الإنطلاق مما يقوله الطائف، «المحافظة». لا يفترض، إذا كنا إيجابيين، ونريد الذهاب إلى قانون إنتخابي جديد، أن يكون هناك طرح آخر للدائرة الإنتخابية. هذا لا يلغي أنّ نظام التصويت يمكن أن يختلف. يمكن اذا اعتمد قانون ما قبل الطائف، السير بالقضاء على قاعدة النظام الأكثري المتعدد الأصوات للمرشح الواحد بحسب عدد المقاعد، أو حصر ما له بصوت أو صوتين، زيادة في المساواة بين المواطنين، وتحسيناً لصحة التمثيل. ويمكن إذا أخذ بمرجعية الطائف في موضوع القانون الإنتخابي، المزاوجة بين نظامي التصويت الأكثري والنسبي في كل محافظة. لكن لا يمكن أن نبقى نردّد في كل الوثائق الرسمية أن الطائف هو مرجعية لوفاقنا الوطني، ونتعامل مع المنصوص عنه في الطائف بصدد قانون الإنتخاب كأنّه غير موجود، أو منتهي الصلاحية.

الطائف لا يقيّد حركة السعي الى قانون انتخابي جديد الآن، ما دام ما ينص عليه مفتوح على الإستكمال والتطوير بهذا الصدد، لكن لا مجال لقانون انتخابي جديد على قاعدة إهمال مرجعية الطائف، خصوصاً إذا كانت الإحالة عليه متوافرة في خطاب قسم وبيان وزاري وتراكم من الوثائق والأدبيات السياسية. يمكن العودة إلى ما قبل إتفاق الطائف حين تفشل القوى في ترجمة هذا الإتفاق بقانون انتخابي جديد، لكن لا يمكن السير فوق اتفاق الطائف إلى «ما بعده»، كما لو أنّ الطائف لا يأتي على ذكر الإنتخابات وقانونها.

عندما يكون المرء دستورياً لا يمكنه أن ينطلق من عدم. لا بدّ له من الإنطلاق من التراكم الدستوري الموجود. عدمي وعبثي، هو، في مجال قانون الإنتخاب، من يتصرّف كما لو أنّ إتفاق الطائف غير موجود. دستوريّ وإصلاحيّ هو، في هذا المجال، من يدرك أنّ الخيار يفترض أن يحصر بين اثنين: إمّا عدم التمكّن من إعطاء الطائف حقّه، وترجمة مراده، والاكتفاء بالتالي بقانون الأقضية (الستين)، مع إمكان التحديث على قاعدة حصر أصوات كل ناخب بصوت أو صوتين، وإمّا الإتفاق على الإنطلاق من مرجعية هذا البند في إتفاق الطائف، والذهاب رأساً إلى كيفية المزاوجة بين النسبي والأكثري، ونسبة هذا وذاك، على مستوى المحافظات.