IMLebanon

خَلعٌ وتكسيرٌ وتهديدٌ بالسلاح… عصابات السرقة تغزو المحلّات

تَنشطُ في الآونة الأخيرة عمليات السَطو والسرقات الاحتيالية التي تُرَكّز على المحلّات التجارية والمطاعم، لا سيّما في جبل لبنان وبيروت: باب مخلوع، قفل مكسور، بضائع مبعثرة، أخرى مفقودة… عصابات تسرَحُ وتمرَح ليلاً، تتعدّى على أرزاق المواطنين، تنشرُ الذعر، وتعود إلى أوكارها، لا تَردَعها كاميرات مراقبة ولا بصمات مُسجّلة.

 

وكأنَّ اللبنانيّين لا يَكفيهم ما يُعانونه مِن أزمات معيشيّة وخَضّاتٍ أمنية، حتّى تُضاف إليها تحدّيات عبء النزوح، واستخدام بعض الجهاتِ للنازحين وتزوير هويّاتهم في عمليّات سرقة متاجِر.

دقَّت الساعة الثانية عشرة منتصف الليل، يوسف ع. وفؤاد ش. بكامل جهوزيتهما يتوَجّهان إلى برج البراجنة بسيّارة مستأجَرة. من دون أيّ همسة، يُطفئ يوسف السيارة، يترجَّل منها ثمّ يقترب من أحد محلّات بيع المجوهرات، يكسر الباب، يخلعه، فيما فؤاد بأعصاب باردة يراقب الأجواء، عينُه اليمنى على لمبة البلدية المطفَأة، وأخرى على حركة المارّة في الشارع. بعد 10 دقائق يخرج يوسف ومعه حقيبة مليئة بالمجوهرات ويلوذان بالفرار.

صباح اليوم التالي يعرض يوسف المسروقات على حسّان الذي يملك محلّاً لبيع المجوهرات، فيشتريها منه رغم علمِه بأمرِها، وكانت حصّة فؤاد 1500 دولار.

هذه لم تكن المرّة الأولى التي يُخَطّط فيها يوسف وفؤاد للسرقة، فقد آثرا السطوَ على محلات المجوهرات، وتقاسُم الغلّة صباح اليوم التالي. أشهرٌ معدودة، فيعودان ويتوجّهان معاً بسيارة أخرى مستأجَرة إلى طريق الجديدة، حيث كرّرا المشهد عينه، فأقدم يوسف بالطريقة نفسِها على سرقة محلّ مجوهرات، إلّا أنّ حصّة فؤاد هذه المرّة كانت ألف دولار. بعدما وقعَت هذه العصابة بأيدي القوى الأمنية، تبيّنَ أنّ يوسف كان يتنقّل ببطاقة مزوّرة خاصة باللاجئين، حصلَ عليها مقابل 100 ألف ليرة.

190 سرقة شهرياً

تشيرُ إحصاءات حصلت عليها «الجمهورية» من قوى الأمن الداخلي، إلى أنّ عام 2014 لم يشهَد أيّ تراجُع على مستوى ارتكاب جرائم السرقات الموصوفة، فقد سجّلَ 2286 عملية، بمعدّل 190 سرقة شهرياً، بعدما سُجلت 2237 عملية سرقة عام 2013.

في هذا الإطار يلفت مصدر أمنيّ لـ«الجمهورية»، إلى صفتين لدى معظم العصابات واللصوص المضبوطين، قائلاً: «غالبيتُهم شباب لم يتجاوزوا الثلاثين من العمر، ومِن جنسيات غير لبنانية. قد يكون الرأس المخَطّط لبنانياً، إلّا أنّ المنفّذين أجانب».

أدوات السرقة

تَتعدّد الوسائل المستخدَمة في السرقات وتختلف بحسب حجمها وموقعِها، فغالباً ما يَستعين اللصوص بالسيارات المستأجَرة لارتكاب عمليات سرقة عدّة في الليلة الواحدة، وفي مناطق مختلفة، ممّا يضمن سلامةَ تنقّلِهم ويُبعِد الشبُهات عنهم. كذلك يتعمَّد هؤلاء تبديلَ السيارة بهدف التمويه. وقد تستعين تلك العصابات بالسيارات المسروقة لتخلعَ بابَ متجرٍ ما جَرّاً أو دفعاً، أو لتنقلَ البضائع المسروقة بواسطتها.

«وتبقى الدرّاجات الناريّة غير المسجَّلة، الأكثر رواجاً لدى العصابات»، على حد تعبير المصدر الأمني ذاته، وذلك لسهولة الاختفاء بها، وتعَذُّرِ مطاردتها وأخذِ مواصفاتها تحت جنح الليل.

في المقابل قد يختصر سارقو المحلّات حاجاتهم اللوجستية بشريط معدني أو مفَكّ، يفتحون به غالَ القفل ببساطة تامّة، مزوّدين بسلاح حربي، يُهدّدون به كلّ مَن يعترض طريقهم.

لكنّ هذا لا يعني أنّ مخيّلة هؤلاء اللصوص تقف عند هذه الحدود، وما تعرّضَت له إحدى السوبرماركات على طريق الجديدة، على بُعد 300 متر من مخفر الدرَك، خيرُ دليل.

توجّهَت «الجمهورية» إلى السوبرماركت المسروقة، حيث عمدَ اللصوص إلى كسر أسفلِ أحد جدرانها الخلفية من جهة البرّادات، وتسَلّلوا عبر فجوةٍ في الحائط وهرَّبوا مجموعة من البضائع، بعدما بعثروا محتوياتها. وفي حديث مع أحد المسؤولين في السوبرماركت، قال لـ«الجمهورية»، «بعدما تمَّ توقيف الشبكة، تبيّنَ أنّها مكوّنة من 3 أشخاص، إثنان وَقفا خارجاً يحرسان المكان، والثالث دخلَ لنحو 40 دقيقة وسرقَ ما نملك من سجائر، وبطاريات وغيرها من البضائع بقيمة 18 مليون.

ويضيف: «لا يخلو الأمر يوميّاً من عملية سرقة صغيرة أو متوسّطة الحجم، «الحرامي ما بينَّطَر» لو زُرع لبنان بأسره كاميرات، وذلك نتيجة الفقر المتنامي والبطالة المتفشّية»، مشيراً إلى سرقة فرع آخر للسوبرماركت عينها في شارع الظريف.

توجّهنا إلى الفرع الثاني المسروق حديثاً، بدا شارع الظريف هادئاً نسبياً، بعدما أقفَلت المدرسة المحاذية للسوبرماركت أبوابَها بعد انتهاء الدوام. حاولنا الاستفسار من أحد المسؤولين عن حجم السرقة، وكيفيّة دخول السارقين، إلّا أنّ معظمَ العاملين فضّلوا التكتّمَ، وعدمَ خلقِ بَلبلة قبل انتهاء التحقيقات. في سياق متّصل، ترَدّد على ألسِنة التجّار المحيطين بالسوبرماركت «أنّ اللصوص خَلعوا الباب الحديدي وتمَكّنوا من سرقة مبلغٍ من المال، كان قد تُرك في الدرجِ لنقلِه إلى المصرف صباح الاثنين».

الإتكال على المخبرين

لا توفّر القوى الأمنية وسيلةً إلّا وتستخدمها لإحباط عمليات تلك العصابات التي غالباً ما تنشَط أعمالها الإجرامية في ساعات الليل الأولى. في هذا الإطار يوضِح مصدر أمني متابع لقضية السرقات لـ«الجمهورية»، «أنّ المكافحة لا يُمكن أن تعتمدَ على أداة واحدة، إنّما مجموعة أساليب مجتمعة، تبدأ من نشرِ مُخبِرين على الأرض يتابعون، ويترصّدون أيّ حركة غير اعتيادية، وأيّ تصرّف مثير للريبة.

إلى جانب المخبرين، تؤدّي الدوريات المكثّفة ليلاً دوراً مهمّاً، فغالباً ما تشهَد المناطق اللبنانية تسييرَ دوريات بين الأحياء، بالإضافة إلى حواجز غير ثابتة تفَتّش، تُدَقّق بالهويات».

ويَلفت المصدر إلى وسيلةٍ ثالثة، تتمثّل بتَتبُّع القوى الأمنية لشكاوى المواطنين «لدى إبلاغهم عن أيّ عملية كسر وخَلع، أو سَلب، خصوصاً وأنّ طمعَ تلك العصابات يصل إلى تهديد المواطنين العزَّل في مصالحهم ومحلاتهم، فيسلبونهم ما يملكون بقوّة السلاح». وما حصلَ منذ مدّة في أحد ملاهي منطقة مار مخايل، حيث تعرّضَ روّاده للسَلب بعد دخول ملثّمين مسَلحين، دليل على ذلك.

إلى جانب تلك الأدوات، تؤدّي التوقيفات التي تنفّذها القوى الأمنية، والتحقيقات مع مشتبَه بهم، دوراً بارزاً في كرّ سبحةِ ضبط أفراد العصابات، أو المجموعات الصغيرة، أو من يعمَلون على مستوى فردي، فيوضح المصدر: «لا يمكن التهاون في التحقيق مع أيّ مِن المشتبه بهم، لأنّه غالباً ما يشكّل رأسَ الخيط الذي من خلاله نطال بقيّة المشاركين في الجرم، فإقرارَ الشخص عن غيره وسيلةٌ لا يُستهان بها».

ختاماً، يُعتبَر الفقر، البطالة، النزوح السوري، وتداعيات الأزمة السوريَّة على لبنان، مِن العوامل التي تُشكّل بيئةً حاضنة لتلك العصابات. إلّا أنّ إجماعاً سياسيّاً على ترسيخ الأمن الاجتماعي والسياسي، وضرب أيّ فلتان يُهدّد الإستقرار بِيدٍ من حديد، سيؤدّيان حتماً إلى تطويق هذه الظواهر وعَزلها، والحَدّ منها، إذا كان من المتعذّرَ القضاء عليها اليوم.