يبقى قانون الإنتخاب هماً أساسياً في هرميّة التركيبة السياسية والطائفية اللبنانية، وملفاً يشغل بال المسيحيين، وسط الحديث عن نتائج مرتقبة للحوارات الثنائية، واستمرار الغوص في تعقيدات رئاسة الجمهورية.
في وقت تعلم معظم القوى السياسيّة اللبنانية أنّ ملفّ الرئاسة رهن القوى الإقليمية والدولية التي تنتظر صَوغ التفاهمات في شأن هذا الملف، يبقى حيّز إقرار قانون انتخاب داخلياً بامتياز، وقدرة اللبنانيين على التحرّك به تبقى واسعة.
يحظى قانون الإنتخاب عند المسيحيين باهتمام يوازي قضية انتخاب الرئيس، لأنّ نظامنا برلماني، ومجلس النواب مصدر السلطات، فهو الذي ينتخب رئيساً، ويسمّي رئيس مجلس الوزراء، ولا يكفي انتخاب رئيس فقط لعودة المسيحيين الى السلطة بل إنّ إقرار قانون عادل يؤمّن صحة التمثيل هو الباب الأساس لطمأنة المسيحيين.
من هنا، يُعطي حزب «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحرّ» قانون الانتخاب مساحة كبيرة من البحث، ويعملان في هذا الإطار للاتفاق على قانون يعطي النتائج نفسها التي كان سيعطيها قانون «اللقاء الأرثوذكسي»، لكن مع الحفاظ على الأطر العامة المعتمدة في أيّ قانون، خصوصاً أن إعادة طرح «الأرثوذكسي» باتت مستحيلة.
في المنظار العام، فإنّ جزءاً من مشكلة التمثيل المسيحي تكمن في تشتّت القوى المسيحية، وليس في القانون بحدّ ذاته. وتظهر دراسة علمية أنه لوّ كان المسيحيون مثل بقية المذاهب الأخرى، لكان المسلمون شَكوا من قانون الستين، إذ عندها سينتخب معظم النواب بأصوات المسيحيين الذي سيختارون 52 نائباً في أقضية: كسروان (5 مقاعد)، المتن (8)، جبيل (3)، بعبدا (6)، عاليه (5)، البترون (2)، الكورة (3)، بشري (2)، زغرتا (3)، زحلة (7)، جزين (3)، الأشرفية (5)، وسيؤثرون في شكل حاسم على 15 مقعداً في الشوف (8)، وعكار (7).
ولو كان المسيحيون موحّدين مثل المسلمين، والمسلمون منقسمين مثل المسيحيين، لكان الصوت المسيحي في بعلبك – الهرمل مثلاً، والذي يقدّر بنحو 20 ألف صوت، حسم النتيجة ورجّح كفّة أصوات الشيعة التي تفوق 120 ألف صوت.
يضيع قانون الإنتخاب في تعقيدات الخلافات الداخلية، ونزاعات الأقاليم المجاورة، وهذا الأمر هو مدخل لأيّ إصلاح في النظام السياسي، لأنّ قانون الإنتخاب كان سيؤدي في مراحل عدّة الى حرب اهلية، والجميع يذكر انتخابات 1947 التي اتهم فيها الرئيس بشارة الخوري بتزوير نتائج الإنتخابات من أجل تمديد ولايته الرئاسية، وكذلك انتخابات 1957 التي أُسقط فيها زعماء المعارضة وعلى رأسهم كمال جنبلاط، ما أدى الى ثورة 1958.
كما يذكر الجميع انتخابات عام 1968 التي انتصر فيها الحلف الثلاثي على النهج الشهابي. من هنا، فإنّ قضية قانون الإنتخاب لبنانية بامتياز وليست مسيحية، وتعقيداتها لا تأتي من الشق التقني بل من التقاتل على تقاسم الحصص المذهبية والطائفية.
وتستطيع القوى السياسيّة الإتفاق على أي قانون أو تعيين لجنة خبراء لإقرار القانون الذي يؤمّن صحة التمثيل، وهي معروفة. لكنّ المشكلة تكمن في صلاحية كل طائفة في النظام السياسي، وما إذا كنّا نعتمد الديموقراطية التوافقية او العددية.
وفي هذا الإطار، تتخوّف بعض الاوساط المسيحية من أن يُقال للمسيحيين: خذوا ما شئتم في انتخابات الرئاسة، وسَمّوا الرئيس الذي تريدون، لأنّ صلاحياته محدودة، وفي المقابل إتركوا لنا قانون الإنتخاب.
وتزداد هذه المخاوف مع استمرار التقهقر المسيحي وغياب الرؤية الموحّدة حتّى على القضايا الجوهرية. وقضية ردم الحوض الرابع في المرفأ خير دليل على غياب الرؤية المسيحية، لأنه لو كان الوزراء والنواب المسيحيون واعين لهذه الامور لَما كان مَرّ قرار الردم من الأساس. صحيح أنّ الحوض يقع في المنطقة المسيحية إلّا أنّ مَن يسيطر على قراره هو من غير المسيحيين.
وبالنسبة الى قانون الإنتخاب، فهناك عدد كبير من النواب محسوبين على المسيحيين إلّا أنّ قرارهم في مكان آخر، وسيُستردّ حين ينتهي الصراع على الحصص، ويقتنع كل فريق بأنه لا يستطيع إلغاء الآخر.