IMLebanon

خذوا شيكاتكم واحرقوها

مرة جديدة يحملنا البابا فرنسيس الى احضان المسيح في تعاليمه الانجيلية فيجرؤ حيث لم يجرؤ ولن يجرؤ الاخرون. خلال مقابلته العامة الاربعاء الفائت، تحدث عن محسنين للكنيسة تكون تقدماتهم ثمرة دماء الكثير من الناس المستغَلين والمظلومين والمستعبَدين، وقال لهم: “من فضلكم خذوا شيكاتكم واحرقوها، فشعب الله، اي الكنيسة، ليست بحاجة الى مال وسخ”.

وقد أعادني هذا القول الى العام 1997 حيث كنت اشارك في فرنسا في مؤتمر للحركة الرسولية العالمية للاولاد (ميداد) وكنا نناقش في التبرعات التي ترد الى الجمعيات والمنظمات وما اذا كانت مالا نظيفا، أي انه لا يتأتى من اعمال غير مشروعة. وكان موقفي ان مصدر المال لا شأن لنا به ما دمنا نستخدمه لفعل الخير اي في مشاريع مشروعة وقانونية وانسانية. لكني ووجهت باعتراض كبير من مجمل المشاركين، وجلهم اوروبيون، اذ لا يجوز ان نقبل ما وصف بالمال الحرام، وان نساهم في تبييض الاموال، وان نشجع المهربين، وندعم استغلال الاولاد في أعمال غير مشروعة. وجاء ردي عليهم بمثابة الصاعقة التي اصابتهم. لكن الحقيقة انني انطلقت من واقعنا اللبناني كي لا أعمم فأظلم.

وقلت لمحدثي:”الا ترون معي ان كبار المراجع الدينية في العالم من بطاركة ومطارنة ومفتين ومشايخ وحاخامات يفيدون من ذلك المال المشبوه، ويطلقون فتاواهم بتحريمه على الفقراء؟ الا تعتبرون ان المال الذي تشيّد به الكنائس والمساجد يتأتى من مصادر غير مشروعة لان المليون دولار وما فوق المتبرَّع بها ليست نتيجة عمل تجاري عادي الا في ما ندر؟ الا ترون ان اصحاب الطائرات الخاصة الذين يقلون المطارنة والمفتين هم من اصحاب الملايين المشبوهة؟”.

وسألتهم ايضا: “اليس هؤلاء المشبوهون هم الاكثر حظوة؟ الا يستقبلهم كبار رجال الدين ويستبقونهم الى موائدهم؟ ومثلهم يفعل السياسيون وبعض رجال الامن؟ هل يستقبل هؤلاء الفقراء الذين لا حظوة ولا سلطة ولا مال لديهم؟ وهل يجالسونهم في الاحتفالات؟ ولمن تحفظ المقاعد في الصفوف الامامية؟”.

اليوم يأتي البابا فرنسيس ليصوب الامور، ويعيد الاعتبار للمبدأ الانساني، والمبادئ المسيحية، تلك التي علّمنا اياها السيد، ولم يلتزمها اصحاب السيادة من بعده. ربما يتمكن البابا فرنسيس من احداث تغيير في المؤسسة التي يدير، اي في الكنيسة الكاثوليكية، المترامية الاطراف والمتعددة الشعوب والاتنيات، وربما يفشل لان منظومة الفساد صارت متأصلة في معظم المؤسسات الدينية والمدنية في العالم. لكن سيسجل لهذا الرجل المميز انه حاول وكان له شرف المحاولة. ويا ليت حركته تتحول مرضاً معدياً يصيب اهل بيته اولا، وينساب بهدوء الى ابناء الديانات الاخرى ثانيا.