جرت في الاستانة مفاوضات بين وفد الجمهورية العربية السورية ووفد المعارضة التكفيرية، وذلك من اجل إيجاد حل سياسي للازمة في سوريا. وبالاستنتاج يظهر كم ان وفد المعارضة الذي اعتبر معتدلا، مستمر في التآمر على سوريا كمجتمع وكدولة، وهو لا يريد الإصلاح بل يريد تغيير بنية المجتمع في سوريا من مجتمع تعددي الى مجتمع شمولي تكفيري يتم فيه تكفير الناس والحكم باسم الدين الذي لا يقول بذلك، بل يقول الإسلام دين التسامح والمحبة والعدل بين الناس، وخوف الله، والمحافظة على الجميع وعلى الروح الإنسانية.
لقد اظهر التكفيريون كم هم مجرمون في الجرائم التي ارتكبوها في سوريا، من ذبح وقتل وسبي للنساء وسرقة المعالم الاثرية وتدمير القرى وحرق البيوت والمباني وحرق المدن وتدمير المؤسسات ومع ذلك مستمرون في التآمر على سوريا بإلغاء دولة المؤسسات لانهم يريدون مؤسسة واحدة لهم هي مؤسسة التكفير باسم الدين الإسلامي الذي لا يدعو لما يدعون اليه، ولا يطلب من الناس ما هم يسعون اليه.
ان الحل الوحيد في سوريا هو اقتلاع التكفيريين من جذورهم، وضربهم حتى انهائهم نهائيا، ولا جدوى من التفاوض مع وفد معتدل ام متطرف، بل كلهم متطرفون ولا يفتشون عن اصلاح ولا عن ديموقراطية ولا مشاركة في الحكم ولا أي شيء، بل هم يطلبون الغاء غيرهم، وان يكونوا وحدهم اسياد السلطة ولو على مراحل، ولو نجحوا في مؤامرتهم على سوريا، لكانوا اليوم في إسرائيل يتفاوضون ويتنازلون عن الجولان المحتل ويقيمون العلاقات مع العدو الصهيوني، ذلك ان الصهيونية والمشروع التكفيري مشتركان في التآمر على سوريا لتدميرها ولولا الصمود الذي اظهره النظام لكانوا استفحلوا ونجح المخطط الصهيوني التكفيري في تغيير معالم الدولة السورية وفي تغيير بنية المجتمع السوري وضرب الأقليات وتشريدهم، وجعل المجتمع آحادي النظرة، على قاعدة التكفير وعلى قاعدة استعباد الناس، وعلى قاعدة الخلافة الإسلامية التي يريدون فرضها من دون رأي المسلمين بأكثريتهم الساحقة، بل يريدون فرضها بالسيف وسكين الذبح وحرق البيوت وسبي النساء وفرض الشروط التعجيزية التي لا تقبلها نفس أبيّة ولا عزة نفس، ولا تاريخ سوريا الذي هو مليء بالحضارة، لا بل أولى الحضارات ظهرت في سوريا وكل انسان يقول ان بلده الأول من حيث الحضارة هو سوريا، وبلده الثاني حيث وُلد وخلق وتواجد حاليا.
اذا كان المجتمع الدولي يريد حلاً سياسياً في سوريا، فلقد اظهر وفد الجمهورية العربية السورية عن رغبة حقيقية في التفاوض السياسي، لكن وجد في وجهه وفد المعارضة الإسلامية المتطرفة التكفيرية التي لا تريد التفاوض، بل جاءت لتفرض شروطها وتهدد بالقتال ولا تبحث بالسياسة، وكل ذلك يدل على ان الحل لن يكون سياسيا، بل ان الحل سيكون انتزاع جذوع التكفيريين من عمقها وطردهم من سوريا وجعل المجتمع السوري نظيفاً من دون تكفيريين ومجتمعاً تعددياً فيه المسيحي والمسلم وفيه كل الطوائف السنية والعلوية والمسيحية والدرزية والشركسية والكردية وغيرها، ومن كل الأعراق، ذلك ان حضارة سوريا كانت على مدى التاريخ منفتحة، وهي أمدّت العالم بحضارة رائعة تأثر بها الرومان وتأثر بها حوض البحر الأبيض المتوسط على مدى التاريخ، والمعالم الاثرية في سوريا تدل على عمق الحضارة والتقدم الذي عاشت فيه سوريا والأمان الذي كان يعيشه المواطن السوري، على مدى التاريخ وحتى سنة 2011. لكنّ التكفيريين بدعم خارجي وبمؤامرة صهيونية أميركية جاءت لتدريب المعارضة على ضرب النظام واسقاطه لانه نظام ممانعة ضد اسرائيل ولأنه وقف ضد العدو الصهيوني لا يخضع لشروطه ولا يتنازل عن شبر من الأرض المحتلة، فحصلت الحرب، مع ان المطلوب كان فرز التكفيريين عن الناس العاديين، الا ان المؤامرة كبيرة وكونية ضد النظام السوري، انما الصمود حصل وبقي النظام وهو انتصر في معارك عديدة وجاءته الامدادات من حلفاء حقيقيين له واستطاع تحقيق الانتصارات، ولا بد من اكمال الانتصارات، حتى سحق التكفيريين، وإعطاء العالم درسا ان سوريا لا تخضع للتكفيريين ولا للارهاب، وأول من نادى بمؤتمر دولي لتحديد معنى الإرهاب هو في زمن الرئيس الراحل حافظ الأسد، رحمه الله، عام 1977، عندما دعا الى مؤتمر دولي لتحديد مفهوم الإرهاب، وكان سبّاقا قبل كل الرؤساء، وقبل ان يستفحل الإرهاب وينتشر في العالم.
ثم يأتي الى سوريا هذا الإرهاب، ويحاول تنفيذ مشروعه الصهيوني – الأميركي الذي ارتدّ على تركيا والخليج والدول الداعمة له، وعلى أوروبا وأميركا، فعرف الجميع ان هنالك خيارا يجب ان يأخذوه، اما النظام والمؤسسات واما انتصار التكفيريين الذي سيكون كارثة على العالم كله، ويشكل أفغانستان الثانية مع طالبان، كما كانت مثالا للارهاب والقتل والاعدام في الشوارع، بالرصاص المباشر والحي، كأنما الانسان وروحه لا قيمة لهما.
بالنتيجة، قد تستمر المفاوضات، لكن نرى حلا وحيدا وهو استئصال الإرهاب التكفيري من سوريا وارساله الى العدو الصهيوني مهزوما، ليسقط المشروع الصهيوني والأميركي على المنطقة وتنتصر الحرية الحقيقية في سوريا، وتبقى بنية المجتمع السوري تعددية وليس شمولية تكفيرية.