على وشك الانكسار لم يعد الوباء التكفيري يحتاج الى أدلة وبراهين على مدى وحشيته واجرامه بحق الجنس البشري والانسانية. وهو يقدم كل يوم ابتكارات واختراعات في فنون التنكيل والقتل والازدراء بالجسد والروح معاً، في سوابق لا مثيل لها في التاريخ حتى في أشد مراحله ظلاماً. والمقياس الوحيد ل الانتصار في نظر السفاحين من قياداته هو عداد القتل والتمثيل بالجثامين البريئة والطاهرة، وكلما كان الرقم أكبر في ضربة واحدة، كان الفوز أعظم، بمقياس تلك العقول الاجرامية المريضة. وما حدث في برج البراجنة كان مهولاً ومرعباً وصادماً بكل المقاييس الدينية والأخلاقية والانسانية، ولكنه لم يكن مفاجئاً، ذلك أن تلك التنظيمات الوحشية الكاسرة قدمت نماذج أكثر فتكاً ودموية على امتداد الأرض العربية والاسلامية، بهدف قتل الانسان بذرائع همجية دون تمييز أو تفريق في الانتماء للضحايا، فكل من ليس منهم هو كافر يستحق القتل بصرف النظر عما اذا كان مسلماً أو مسيحياً أو بوذياً أو غير ذلك!
***
نمت جراثيم هذا الوباء واشتدت في حضن تعميم ثقافة الجهل والتعصب والعمى الفكري والأخلاقي والتطرف ورفض الآخر. وأثبتت التجارب المبكرة، من أفغانستان والى مجازر ١١ أيلول في الولايات المتحدة الأميركية، ان هذا المخلوق التكفيري الخارج من أحدث معامل ومختبرات التخطيط الاستراتيجي والمخابرات الدولية، غير قابل للتدجين، ومن طبائعه وتكوينه الجيني أنه يعضّ ويبتلع كل ما يجده في طريقه، وان اول من ينقلب عليهم هم خالقوه ورعاته! ولعل الوقت قد حان ليدرك من يقدم العلف لهذه المخلوقات المشوهة، لقيام جبهة وجهد دولي حقيقي، لمكافحة هذا الوباء التكفيري بالوسائل نفسها التي تم فيها القضاء على الأمراض السارية قديماً وحديثاً. ذلك ان هذه المخلوقات حالما تخرج من حضانة التفريخ، تنقلب على صانعيها أولاً أو أخيراً أو في المسار ما بينهما! وهذا النمط من الاجرام يشير الى ان الموجة على وشك الانكسار.
***
على الرغم من كل ما يعانيه لبنان من أزمات وانقسامات ومماحكات، فإن ردود الفعل من مختلف مكونات الوطن كانت صادقة وحقيقية، وتعبر عن وحدة النبض الوطني ضد هذه الهمجية الدموية التي عربدت في مكان ما على أرض الوطن. أقصر طريق لسد المنافذ في وجوه المجرمين التكفيريين، هو يقظة صارخة للقيادات السياسية والمجتمع اللبناني بكل مكوناته، لتجاوز المرحلة الحالية والخلافات، ووضع استراتيجية تضامن وطني تشكل سداً منيعاً ضد أي خطر، أكان تكفيرياً أو غير ذلك. رحم الله الشهداء وشفى المصابين وخالص المواساة لذويهم، وللوطن. –