إذا كانت انتخابات ما بعد اتفاق الطائف ،قد شهدت عودة الحياة الديموقراطية المتمثلة في الانتخابات الا انه لم نشهد استقرارا فيما خص قانون الانتخاب ،فكان بين 1992 و2018 ست دورات انتخابية ، كانت عمليات الاقتراع خلالها تجري وفق قانون مختلف في كل دورة ،ما عدا دورتي 2000 و2005 اللتين حصلتا وفق ما اطلق عليه قانون الالفين ،كما كان فيها دورة سجلت عودة الى الوراء (قانون 2009 )الذي عاد باللبنانيين (وفق اتفاق الدوحة) الى قانون 1960 باستثناء بيروت التي جعلت دائرتين انتخابييتين .
كما سجل تمديد لولاية مجلس النواب في قانون الالفين بجعل ولايته 4سنوات و8 اشهر ،وهو ما كان رفضه المجلس الدستوري في انتخابات 1996. لكنه مرر في الالفين دون ان يقدم اي طعن به.
في كل انتخابات ما بعد اتفاق الطائف ربما سيبقى علامة فارقة فيه هو انتخابات 2018 ،حيث شهدت هذه الانتخابات التي جرت في السادس من ايار كثيرا من تفاصيل انتخابات 25ايار 1947 وانتخابات آب 1957.
اولا: في شكل تقسيم الدوائر الانتخابية التي كانت خليطا عجيبا بين قوانين 1951 و1960 و2000 مع بعض (الرتوش ) التي كان مهمتها حفظ مصالح البعض من (الاقطاب).
ثانيا: اعتماد الحاصل الانتخابي الذي يجعل النسبية بلا قيمة فاعلة في وصول وجوه وقوى جديدة الى البرلمان، ويجعل العملية الانتخابية اقرب إلى النظام الاكثري ،بالاضافة إلى اعتماد صوت تفضيلي واحد مما اسهم بنقل المعركة في بعض اللوائح إلى داخل اللائحة الواحدة.
ثالثا: ان اعتماد الحاصل الانتخابي جعل عشرات الالاف إن لم يكن مئات الالاف من الناخبين بلا تمثيل ،وخصوصا ان كثيرا من اللوائح كانت بحاجة إلى بضعة عشرات وبعضها يلزمها مئات لتبلغ مرحلة الحاصل الانتخابي.
وتجدر الملاحظة هنا، ان العديد من الدول التي تعتمد النظام النسبي تعتمد حدا ادنى من نسبة الحصول على الاصوات لتتمثل اللائحة في البرلمان، فبعض الدول تعتمد عشرة بالمئة من المقترعين الفعليين ،وبعضها خمسة بالمئة.
كان واضحا منذ البداية ،ان هناك تمييزا بين اللوائح والمرشحين على مستوى السلطة ، لانها لم تكن حيادية في ادارتها للانتخابات وعبرعن ذلك بدقة بيان الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات التي سجلت «ان شرط الحياد غير متوفر لسببين جوهريين: الأول هو وجود حكومة من المرشحين تدير العملية الانتخابية، إنّ 17 وزيرا في الحكومة الحالية ومن ضمنهم رئيس الحكومة ووزراء المالية والداخلية والخارجية، هم مرشحون لا بل رؤساء لوائح أحيانا كثيرة، ولا يوجد في ممارساتهم على مسافة 40 يوما من عملية الاقتراع، ما يوحي بانهم يفصلون بين مهامهم وصلاحياتهم ومواردهم كوزراء، وبين كونهم مرشحين للانتخابات. وذكرت ان السبب الثاني لغياب شرط الحياد، ان هيئة الاشراف على الانتخابات ليست مستقلة، ولا وُضعت بتصرفها الإمكانيات الكافية التي تسمح لها بالقيام بدورها في الحؤول دون استخدام الموارد العامة ومواقع السلطة في خدمة المصالح الانتخابية للأقوياء» .
ولفتت الجمعية الى ان «الشرط الثاني المتمم لسلامة العملية الانتخابية هو تكافؤ الفرص امام المرشحين. وهذا شرط متمم للحياد. وفي هذا الصدد سجلت الجمعية وجود ثغرات هامة في قانون الانتخاب نفسه تعيق تكافؤ الفرص، كما تسجل ان الممارسة الانتخابية نفسها خلال الأسابيع والاشهر الماضية (التي سبقت الانتخابات) تشكل انحيازا واضحا لصالح بعض المرشحين على حساب أخرين ممن يتمتعون بموارد شتى. فالمرشحون الذين هم في مواقع المسؤولية، او الذين يملكون وسائل اعلام او هم شركاء فيها، او المتمولين منهم لديهم افضليات واضحة تتجلى في القدرة على الحضور الإعلامي الطاغي في ظل تعتيم على بقية المرشحين والمرشحات؛ كما لديهم القدرة على استخدام موارد الدولة ومشاريع الوزارات والمؤسسات وتوظيفها في حملاتهم الانتخابية وكذلك استخدام المؤسسات العامة؛ ولديهم القدرة على تجاوز القانون او استخدامه ضد خصومهم بسهولة نسبية؛ كما لديهم الموارد المالية الكافية من اجل الإعلان الانتخابي بالشراكة أحيانا مع المؤسسات الإعلامية وتنظيم المهرجانات وغير ذلك من الأنشطة، في ظل غياب آليات ضبط فعلية تضمن الحد الأدنى من تكافؤ الفرص الحقيقية. وبناء على ذلك، فإن الجمعية تسجل وجود خلل جوهري في تكافؤ الفرص بين المرشحين لأسباب تعود الى القانون نفسه، والى الممارسة الانتخابية».
ولفتت الى ان قانون الانتخابات نفسه عامل رئيسي مساهم في اضعاف سلامة العملية الانتخابية. وتسجل الجمعية الملاحظات التأسيسية التالية على هذا القانون: هذا القانون تم التوافق عليه خارج المؤسسات الدستورية بين اطراف سياسية رئيسية فرضته على الأطراف الأخرى الشريكة معها وعلى مضض، كما صرح اكثر من طرف – ثم تم اخراج التوافق عليه في المجلس النيابي، وهذا القانون وضع من قبل المرشحين أنفسهم، وتم تفصيله بناء على التوازنات والمصالح الخاصة بهم، مما جعله قانونا هجينا، فلا هو بأكثري ولا هو بنسبي؛ ولا هو على أساس المحافظة ولا القضاء؛ ولا هو انتخاب للائحة على أساس سياسي ولا هو انتخاب لأفراد… الخ. يضاف على ذلك ان هناك انتهاكا جوهريا لمبدأ قانوني ثابت هو ان لا يتولى أصحاب المصلحة المباشرة التشريع في الأمور التي تطال مصالحهم، وقد حصل العكس تماما مع قانون انتخابات سنه المرشحون أنفسهم لأنفسهم، ويتولون بأنفسهم الاشراف على تنفيذه».
اذا كانت هذه بعض المقدمات ليوم الانتخاب في 6 ايار ،فان عمليات الاقتراع وإعلان النتائج شابها الكثير من العيوب والتزوير ،نذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر:
1- عدم مراعاة الإجراءات القانونية في عمليات فرز الأقلام، خاصة بالنسبة لتوقيع رئيس القلم ومساعديه على الغلاف الخارجي، كما حصل بالنسبة للقلم رقم /207/ غرفة رقم /3/ في ثانوية فخر الدين المعني للبنات.
2- إتمام عمليات نقل أكياس المغلفات من الأقلام إلى لجنة القيد المركزية دون اقفالها بالشمع الأحمر وبدون حماية قوى الأمن، كما نص قانون الانتخابات الأمر الذي يُعزّز الشكوك بالتلاعب في مضمون هذه الأكياس.
3- بدء لجان الفرز بأقلام المغتربين بشكل بطيء ومتعمد في تمرير ساعات طويلة على أصوات لا يتجاوز تعدادها بضعة عشرات فقط.
4- أوحى التعتيم الإعلامي الشامل على نتائج دائرة بيروت الثانية طوال ساعات مساء الأحد (6 ايار- يوم الانتخابات )، فيما كانت نتائج الدوائر الأخرى، وخاصة دائرة بيروت الأولى، تصدر تباعاً بأن وراء الأكمة ما وراءها، خاصة وانه تبين ان عدداً من صناديق الأقلام لم يكن وصل إلى مركز لجنة الفرز المركزي حتى الساعات الأولى من صباح الاثنين .
5- العثور على ستة صناديق في وزارة الداخلية ظهر يوم الاثنين (7 ايار)، كانت لجنة الفرز المركزية أعلنت فقدانها، ولم يكن مصيرها معروفاً.
6- مفارقات مدهشة ان مرشحين جاء ت الصناديق التي اقترعوا بها صفر صوت ،اي انهم لم يقترعوا لانفسهم.
7- نتائج قلم اقتراع في اوتاوا يخص مدينة زحلة جاءت صفرا ،وهذا ما اثار رئيسة القلم التي احتجت على هذا التزوير الفاضح.
بأي حال يتكشف حجم المخالفات التي انتخابات ايار 2018 بحجم الطعون التي قدمت الى المجلس الدستوري والتي تناولت نحو اربعين نائبا فائزا .،وعلى امل ان لا يمر البلد في تجارب مماثلة لما اعقب عمليات تزوير انتخابات سابقة ،فتزوير انتخابات 1947 انتجت احداث 1952 التي انهت ولاية الرئيس بشارة الخوري المجددة في ايلول 1952 وتزوير انتخابات 1957 انتج احداث 1958 الدامية.
حمى الله لبنان
يتبع حلقة خاصة عن قانون 2018 «تمييز بين الناخبين والمناطق»