حكايا التزوير والإنتخابات.. من لبنان الصغير إلى 2018 (7)
القانون أخلَّ بمساواة المواطنين وميَّز بين المرشّحين والدوائر
لم يحمل قانون الانتخاب لعام 2018 تطوراً نوعياً في مساواة المواطنين اللبنانيين في الحقوق والواجبات كما جاء في المادة السابعة من الدستور «كل اللبنانيين سواء لدى القانون وهم يتمتعون بالحقوق المدنية والسياسية ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دون ما فرق بينهم»، ولا كما جاء في مقدمته: « لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية، تقوم على احترام حرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمييز او تفضيل»، لا بل جاء قانون ١٩١٨ يكرس التمييز بين الناخبين، إذ اجاز لناخب ان يقترع للائحة من 13 مرشحا (الشوف _ عالية)، ولناخب اخر يقترع للائحة من خمسة مرشحين (صيدا _ جزين )، ولثالث يقترع لستة مرشحين ( بعبدا او البقاع الغربي _ راشيا ) وهلم جرا من دوائر باحجام مختلفة.
إضافة إلى ذلك، كان هذا القانون بشأن تقسيم الدوائر خليطاً عجيباً من قوانين مرت على لبنان في انتخابات 1951، 1960، 1996، و2000، وبالتالي لم يشكل حافزا لاقبال كثيف على عمليات الاقتراع، رغم تصويت المغتربين في الخارج، بحيث بلغت نسبة الاقتراع في كل الدوائر الانتخابية حسب بيان وزارة الداخلية 49,7 % وهي نفس النسبة التي كانت في انتخابات 2009 التي لم ينتخب فيها المغتربون في مكان اقاماتهم، علما ان عدد الناخبين في كل لبنان بلغ في عام 2018، 3 ملايين و746الف و483 ناخبا اقترع منهم مليون و862الف و103 ناخبين، وبالتالي فإذا حسمنا من عدد المقترعين، المقترعين من الخارج تصير النسبة في هذه الانتخابات نحو ٤٦ بالمئة.
والتمييز بين الناخبين، وبين المرشحين بلغ تمييزا فاضحا من خلال الحاصل الانتخابي الذي كان مختلفا بين دائرة واخرى ففي حين كان الحاصل الانتخابي في دائرة بيروت الاؤلى هو5الاف و458 ناخبا، كان في بيروت الثانية 13الفا و75 صوتا، وكان في بعلبك _ الهرمل 18 الفا و706 اصوات وفي دائرة الجنوب الثالثة 20 الفا و526 صوتا وفي دائرة الشمال الثالثة 13 الفا و310 اصوات وهلم جرا، مما افرغ النسبية اللبنانية من محتواها. علماً ان هذا الاسلوب من النسبية كان قد تنبه اليه كثير دول التي تعتمد النسبية في نظامها الانتخابي وحددت النسبة المئوية الدنيا التي تحفظ حق التمثيل البرلماني، فاعتمد بعضها نسبة 10 من المقترعين الفعليين، وبعضها اعتمد خمسة بالمئة، وبعضها اعطى حقا بالتمثيل ولو كان اقل، ولو اعتمدنا في لبنان على سبيل المثال لا الحصر نسبة العشرة بالمئة في هذه الانتخابات، لكان مجموع الاصوات من مجموع عدد المقترعين وهومليون و862 الف و103 اصوات على عشرة بالمئة هو نحو186 الفا و210 اصوات فهل يجوز ان يحرم هذا الرقم من حق التمثيل في البرلمان.
يمكن القول ان ما رافق العمليات الانتخابية الاخيرة وفق ما جاء في الحلقة السابقة من اعمال تزوير ومخالفات اخلت بالعملية الديموقراطية والتي انعكست بالطعون الاربعين التي قدمت الى المجلس الدستوري، يضاف اليها الخلل في مساواة الناخبين او في مساواة المرشحين، يجعل من الضروري إعادة النظر في قانون الانتخاب باعتماد نسبية حقيقية تؤكد حق المواطنين في المساواة في الحقوق والواجبات.
وبشكل عام، قد يكون ضرورياً إعادة التذكير، بأنه كلما تمّ التلاعب بالمواعيد الانتخابية، أو بعمليات الاقتراع، يمر لبنان بظروف قاسية وصعبة ودموية.
ففي عمليات تزوير انتخابات 25 أيّار 1947، لم يستطع الرئيس الاستقلالي الأوّل بشارة الخوري إنهاء ولايته الثانية المجددة في العام 1949، فاستقال من منصبه في منتصفها (أيلول 1952)، وفي تزوير انتخابات 1957، شهد لبنان احداث 1958، التي حالت دون التجديد للرئيس كميل شمعون، وانتهت بانتخاب خصمه اللدود اللواء فؤاد شهاب.
اما بشأن الإخلال بالمواعيد الدستورية للانتخابات، فإن تمّ التمديد للمجلس النيابي في العام 1976، ولو كان جرى تجديد الحياة السياسية فور اغتيال النائب السابق الراحل معروف سعد في صيدا في شباط 1975 أو فور اندلاع شرارة الحرب الأهلية بإطلاق النار على بوسطة عين الرمانة في 13 نيسان 1975، لكان برأي المتابعين والخبراء، هناك احتمال كبير بأن لا تتطور الحرب القذرة وتمتد إلى 15 عاماً.
ويلاحظ أيضاً، انه بتمديد ولاية مجلس النواب في قانون ألفين إلى أربعة سنوات و8 أشهر، شهد لبنان خلال الأشهر الثمانية كل التطورات الخطيرة والدامية التي حصلت في العام 2005، علماً ان المجلس الدستوري كان قد رفض في قانون 1996 تمديد ولاية المجلس، لأنه لا يجوز التلاعب بوكالة المواطنين لممثليهم.
وفي المجلس النيابي السابق الذي مددت ولايته نحو خمس سنوات فصارت تسع سنوات، حدثت أزمات كادت تدفع بالبلد إلى حافة الهاوية.
بأي حال، ثمة ضرورة باتت ملحة بأن يتم وضع قانون انتخاب عصري ومتطور يساوي بين المواطنين على أساس الحقوق والواجبات ولعل أبرزها مساواتهم في قانون الانتخاب من خلال عدالة التمثيل، فهل من مجيب؟