IMLebanon

«طالبان» في كابول مجدّداً؟ ليست حتمية.. وليست مجرّد فرضية

يأتي انسحاب القوّة الأطلسية من أفغانستان وتحجيم القوّة الأميركية المتبقية في هذا البلد، مع نهاية العام، ليطرح تحدّيات اضافية شاملة تمتد من أفغانستان حتى لبنان. 

فإذا كان الانسحاب الأميركي من العراق، قد أتى في أعقاب تمكّن الأميركيين وحكومة نوري المالكي ومجالس الصحوة من محاصرة وتشتيت حركات التمرّد المسلّح من الموصل إلى الأنبار، فإنّه لم يطل الوقت كثيراً قبل أن يؤدي الفراغ الذي تركه الأميركيون في العراق، والغيّ المذهبي الذي مارسته حكومة نوري المالكي والميليشيات المواكبة لها، إلى توثّب الحالة الجهادية المسلّحة مجدّداً، واستفادتها من اتساع رقعة الصراع الدامي على جانبي الحدود العراقية السورية، وصولاً الى سيطرة تنظيم «الدولة الاسلامية» على مساحات شاسعة من العراق وسوريا، من دون أن تحقّق الحرب اللابرّية الأميركية عليه نتائج واضحة الى الآن. 

فما الذي يمكن توقّعه من انسحاب أطلسي وأميركي من أفغانستان، وهي كما وصفها الرئيس باراك أوباما الحرب الأطول في تاريخ الولايات المتحدة؟ هنا، الانسحاب لا يحدث بعد التمكّن من زعزعة كيان حركة «طالبان». على العكس، يتم الانسحاب فيما الحركة تسيطر على مساحات شاسعة من أفغانستان، ومن وزيرستان الباكستانية، وبعمق جهاديّ متداخل مع عموم الحركة الاسلامية الباكستانية، وممتد إلى حركات جهادية في بلدان آسيا الوسطى وبلوشستان الايرانية. هل يعني ذلك أنّ عودة «طالبان» إلى حكم كابول مسألة وقت؟ ليس بالضرورة. إذا استطاعت المكونات الاثنية التي تشكّل النسيج الأفغاني، وخصوصاً ثلاثية الباشتون والطاجيك والاوزبك، أن تؤسس لشراكة متوازنة في ما بينها. أمّا إذا سارت الأمور في اتجاه آخر، فمن المؤكّد أنّ العمل الجوي والصاروخي الأميركي لن ينفع كثيراً عندها، والقوّة التي ستقتصر بدءاً من العام المقبل على حراسة سفارة واشنطن في كابول ستخلي المكان قبل سواها. عودة إمارة طالبان إلى كابول ليست حتمية، لكنها ليست احتمالاً ثانوياً. 

في الحرب الطويلة بين «طالبان» والقوات الأميركية والأطلسية والقوات الأفغانية الحكومية، أظهرت «طالبان» أنّها ليست مقطوعة من شجرة في هذا المجتمع، وأنّها تجيد حرب العصابات، وأنّ الاحتلال الأجنبي مكلّف، دموياً ومادّياً. وبعد كل شيء، ينسحب أوباما من أفغانستان من دون أن يُستثار نقاش جدي حول حصيلة هذا التدخل الأميركي والأطلسي في هذا البلد، وحول مجرى أحد عشر عاماً من «الحرب على الارهاب»، أي هذا العقد الذي نقف من بعده، أمام حالة جهادية تسيطر على مساحات شاسعة في البلدين التي أُهدرت فيهما الدماء والأموال الطائلة بذريعة مكافحة الارهاب. 

طبعاً، حركة «طالبان» شيء وتنظيم «الدولة الاسلامية» شيء آخر. طالبان كانت لها تجربة رسمية في إقامة إمارة معترف بها دولياً في أفغانستان. وإن استهدفت صاروخياً بعد تفجيرات نيروبي ودار السلام، فإنها ظلت تتمتع بهذه الحيثية الى هجمات الحادي عشر من أيلول. في الأعوام الماضية، فتحت أكثر من مرة قنوات تداول وتفاوض مع أجنحة من حركة «طالبان»، لكنها لم تُسفر عن معطى يُعتدّ به، إبان استحقاق الانسحاب الغربي. 

كيف تستقبل إيران هذا المعطى الانسحابي الاميركي الجديد؟ تستريح لأن الاميركيين ما عادوا يحاصرونها، شرقاً من أفغانستان وغرباً من العراق والخليج؟ أم تستعد لمتاعب جديدة لأنها تواجه إمارات جهادية في الشرق والغرب؟ أم ستكون لهذا الانسحاب بشكل أساسي تداعيات على واقع ومصير كيان الدولة الباكستانية نفسها؟ 

لا، ليس لبنان بعيداً من أفغانستان. ما دامت أفغانستان محاذية لإيران، فليست بعيدة. وما دامت الحالة الجهادية ستتجذّر في إقليمين، أفغاني ومشرقي عربي، فهي أقرب مما نعتقد. وحدهم الممانعون، ستمنعهم ظروف مشاركتهم في دعم نظام آل الأسد في سوريا إلى عدم القدرة في الاحتفال بـ «هزيمة» الأميركيين في الحرب الأفغانية.