Site icon IMLebanon

طليع حمدان: قابلتُ سيف زين بالزهرة… وقلتُ لجنبلاط: الأرض من فكرك كمشة

 

“لو قرأت الكتب لما أصبحت شاعراً زجلياً”..

 

 

في زمن السجال السياسي العقيم والزجل الفارغ في لبنان نكاد ننسى أن البلد عاش في زمن الرخاء زجلاً محكياً من نوع آخر شكّل فخراً لوطنٍ وحلّ على لائحة التراث العالمي وقال عنه جبران خليل جبران: باقة من الرياحين قرب رابية من الحطب. طليع حمدان، أمير الشعراء وشاعر المنبرين، أحد كبار شعراء الزجل في لبنان – أحد الفنون السبعة في الأدب العربي- ما زال شاهداً على أيامٍ جميلة من أيام لبنان الكثيرة العقيمة. نسأله عن اللقب الأجمل على قلبِه فيجيب: طليع حمدان. نسأله عن الردات والقوافي والعتابا والدلعونة والميجانا والقرادي وعن دمع الكلمة والقصيدة وعن زغلول الدامور وزين شعيب وجريس البستاني وإدوار حرب ورشيد نخلة والنوبات فيجيب بردة: أنا شاعر الربيع والزهور والنسيم وما حدا بكّى العالم (في قصائد النوبات) أكثر من طليع. فماذا يقول شاعر القصيدة ورجل الزجل الأصيل طليع حمدان الذي لم يندم في حياته إلا على مدح زجالي السياسة.

 

 

هو ساكن عين عنوب. في صدر داره صورة كبيرة له تصلح لأمير. نقول له: يا مرحبا بالأمير فيجيب: الله يخليكم ويا هلا بيكم. بأناقة الهندام والكلمة يستقبلنا. ويصرّ مراراً وتكراراً على القول: «بحبّ الجميع وما بحبّ زعّل حدا». نفهمه فهو شاعر قليل الغضب على المنبر وكثير العاطفة واللطف والتهذيب. يخبر: «كان بيتنا في الضيعة. كنا أحد عشر ولداً، ستة صبيان وخمس بنات، وأنا الخامس بين الصبيان. ولدت في العام 1944 (له من العمر ثمانون عاماً). وكان الندب رائجاً في أيامي لكننا للأسف خسرنا هذا التقليد. والدي كان مزارعاً ويشارك في لقاءات الندب. كان حاضراً في ايام الزغلول (جوزف الهاشم) وزين شعيب أما أنا فكنت صغيراً. والدي لم يرتضِ في البداية أن أختلط بمن هم أكبر مني سناً وكان يقول عني كلمة جعلت الكثيرين يضحكون (يضحك هو اليوم عليها): هذا الصبي إما بيطلع أخوت أو فلتة. لا حلّ وسط. قولكم طلعت من الإثنين؟ (يسأل ويضحك مجدداً).

 

لكن، لماذا كان يقول عنه والده ذلك؟ يجيب: «كان يخشى من أيّ غلط أقوم به بين الناس» ويستطرد: «ذات يوم زارنا زين شعيب في بشامون فاقتربتُ منه وسألته: عمي زين هل تسمح لي أن أقول معك ردة أو اثنتين؟ أجابني: بالتأكيد يا قلبي تكرم عينيك. رافقته بردات فيها شعر طفولي ووصل وفد من عين عنوب يضم والدي فقال لشقيقي الكبير: روح جيب خيّك طليع كي لا يجرسني مع زين». وكان من أصبح خال زوجتي لاحقاً أبو هلال (نجيب عيد) فقال له: اتركلي طليع يحكي شو ما بدو. رزق الله على تلك الايام. توفي الشحرور (أسعد الفغالي) فأتوا بإميل رزق الله. كنت أقصد بيت علي الحاج مشياً من عين عنوب الى القماطية كي اقول له ردّة فيردد: طيّب طيّب يا إبني يا طليع. وأتذكر أنني كنت عريساً يوم قال لي زين: متى نتناول العشاء في بيتك في شملان؟ وطلبوا مني دعوة علي الحاج (أبو حسين). دعوته. فقال لي: يا إبني طليع ما فيي قلك لأ ولا فيي قلك نعم. كان ولده حسين توفي للتوّ. قلت له: شاركنا ولا تغني. أتى الى بيتي الصغير فقال لي الحاج أثناء العشاء: يا طليع اللي بعرفك إبن وصديق/ صدرك بيوسع كل ما بيتك يضيق/منها عجيبة إن كترت عليك الضيوف/ النحل ما بيحوم إلا على الرحيق. أجبته: يا شاعر اللي خالق من العتمة روحك/ بتسكن بحر خمرة معتقة/ لو ما الربيع توحد على شيبتك/ ما لبست تياب البياض الزنبقة. فردّ : لمّن غياب حسين فرفط مدمعي/ وبدلة تياب القوافي شلحتها بالقبر/ نامت حملة المنبر معي/ لولا طليع يحط كتفو تحتها. أجبته: مهما صدم نفسيتك كفر الأجل، ما صارت مسابح نبوغك فارطة /جبينك بشرعي خارطة كل الزجل/ يا ليتني شحطة قلم بالخارطة. قال لي: ما دامك هيك رح إشلحلك تاجي وإنتَ تلبسو. قلت له: تاجك إذا لبستو يا عمي بو حسين/ بهالكون ما في مملكي بتساعني. أجابني: لا تلعب بعقلات عمك بو حسين/ وتعري أفكارو بهيك جملة شيّقة/ بتسلحو او بتلبسو على الميلتين /الأرض لما خلقت صارت ضيّقة». وينهي طليع بتعليق: يخرب بيت بو حسين ما أجمله. رحمة الله عليه».

 

هل نفهم من هذا الزجل أن طليع حمدان أكمل طريق بو حسين؟ يجيب: «أتذكر أنني حين بدأت الغناء واعتلاء المنابر مع الزغلول كان بو حسين يقول لي: يا طليع حلمي فيك تصير هيك. تابع».

 

 

زين والزغلول

كيف إنضمّ طليع حمدان الى جوقة الزغلول ( يكبر طليع بـ 19 عاماً)؟ يقول: «مرة من المرّات دُعينا الى عرس في عاليه زين وأنا. زين كان شاعر غضب، يرتجل على المنبر ولو أمامه عشرة شعراء. يومها إرتجلتُ معه ردات جميلة فقال لي: يا طليع ستصبح ضمن جوقتنا. قلت له: بيفرجها الله. وذات يوم (يتردد طليع في الكلام لكنه يتابع لإصرارنا) إختلف زين وأسعد سعيد. يحدث ذلك مع كل الناس. إلتقيت بزين والزغلول وقالا لي: يا طليع أتينا لنطلب منك الإنضمام الى جوقتنا. كان أسعد سعيد وجان رعد قد تركا الجوقة. وهكذا اصبحت أنا وإدوار حرب مع زين والزغلول. قضيت عشرة اعوام مع الزغلول».

 

كان زين شعيب سريع الغضب، ألم يختلفا؟ يجيب: «صحيح، كان مشكله حاضراً، لكن، بقدر ما كان يغضب على المنابر كان يسكن في صدره طفل. أحبني كثيراً وأحببته كثيراً كثيراً. وفي آخر حياته فقد ذاكرته. حدثت معه جلطات نجا منها لكنه فقد ذاكرته. كان يسألني مراراً: ما اسمك؟ وكان يتصل بي حين يستعيد بعضها باكياً قائلاً: يا طليع أنت الوفي لزين شعيب. وقال لي مرة: نسيت حالي. نسيت أنني كنت أغني يا طليع: يا حرام على بو علي».

 

أسّس طليع حمدان لاحقا فرقة الربيع. لكن، كيف كانت علاقته مع الزغلول؟ يجيب: «رحمة الله عليك يا زغلول الدامور. عشت معه عشرة أعوام. كان بمثابة أبي. أخلاق جميلة وشاعر لطيف. كنا صوتين جميلين معا. يا لطيف. مرّة كنا في مأتم في الشوف فأتوا بنوبة المتين فصرنا نقول ردات معاً. فصعد أحد الأشخاص الى المنبر وقال: إلا ما تجيبوا زغلول وطليع لتطلع نوبة». هو ندب مع الزغلول أيضا فماذا قال؟ يضع يده على صدغه ويتذكر: «قلت: جايي طليع يلي انغرم بالزهر/ ليشيل منه الشعر لرفيقو /متل يلي بيشيل من الزهر ماء الزهر/ وبيعود يسقي الزهر من ريقو». يا الله كم جميل ما قال.

 

كيف يستعد شاعر الزجل لاعتلاء المنبر؟ هل يرتجل فعلاً أم تكون قصائده معدّة – بالإتفاق بين شاعرين وجوقتين، سلفاً؟ مضى على ظهور الشاعر طليع حمدان أكثر من خمسين عاماً والشاعر يتمرّس كما كل الآخرين في ما يُقدم. ويقول: «كنا نتفق على موضوع نغنيه ونصعد على المنبر، ويا ما حفلات طلب فيها الناس مواضيع محددة ونحن على المنبر، خصوصاً حين نكون أنا وزين معاً. ويستطرد: حين يتمرس الشاعر في الوقوف على المنبر يسهل عليه الإرتجالي الله على ذاك الزمان. الله. الإرتجالي فيه عفوية أكثر من الكتابة وأجمل لأنه نتيجة إنفعال».

 

زين النقيض

أكثر من أحبّ الشاعر الزجلي طليع مواجهته على المنبر هو زين شعيب: «كنا حين نغني معا ينهض الجمهور عن الكراسي. زين حماسة وأنا نعومة وصوَر جميلة وصوت. شكلنا معا نوعين مختلفين على المنبر».

 

لكن، ماذا يجذب الجمهور أكثر اللطف أم الغضب والحماسة؟ يجيب: «كنت أقابل سيف زين شعيب بالزهرة وكنت انال حصتي من تصفيق الناس وهو يأخذ أيضا حصته منها. كنت اواجهه بالزهر والنهر والطفل والمرأة والجمال والربيع». لكنك شاعر مسيّس أيضا، فهل اللطف يتلاءم مع السياسة؟ يفكّر كمن يعمل على نقد ذاتي ويقول: «مرّ زمان إذا لم نغنِّ للجوّ الذي نعيش فيه لا يتقبل الجمهور شعرنا». إضطررتً إذا لمجاراة الجوّ؟ هل ندمت؟ يجيب: «صحيح، لم اندم في حياتي على شيء إلا على غنائي لسياسي. هذا ليس لوني. ليس هذا لون طليع». لكن، الم يستحقّ اي سياسي غناء طليع؟ يجيب: «غنيتُ لكمال جنبلاط وأعتزّ بذلك. وغنيت لوليد (جنبلاط) الله يطول عمره. قلت للمعلم مرة: مش جسمك الكمشة إجا من الأرض/الأرض من فكرك إجت كمشة». هل غنى لكميل شمعون أيضاً؟ يجيب: غنيت طبعاً له هو عبقري» ويستطرد: «لم نفرق بين مسيحي وغير مسيحي. كانت المرأة المسيحية ترتدي منديلاً درزياً. وأخبرني والدي أنه أيام الاتراك كان المسيحيون مضطهدين فيأتي الدروز ويكتبون على ابواب بيوتهم: مسلمون. فلّت (غادرت) تركيا فأتت فرنسا وأصبح المسيحيون يكتبون على أبواب الدروز: مسيحيون».

 

كيف كانت علاقة امير الشعراء بالملك (موسى زغيب)؟

 

أبو ربيع

يقول: «أجمل مباراة غنيتها كانت مع موسى. كان فيها مجد: سلام عليك يا ليل التجلي/ يلي لابس ظلّ أبيض متل ظلي/ بعتمة رفيق نورك صار ينزل/ كأنو البدر نازل بالمظلة/ سمع تلة عمبتقلو تفضّل /ووادي عمبقلو طلّ طلة/ اربط زنار على الخصر المدلل/ وهدي بين وادي وبين تلّة. كنا نغني في جوقتين، انا في جوقة الربيع التي أسستها وهو أبو ربيع في جوقة القلعة». هل يراه؟ هل يتحادثان في أيام الزجل الجميلة؟ «زرته منذ فترة ويتصل بي. نحن، أنا وهو وجريس البستاني آخر شعراء الجيل الثاني من الزجل وحين نلتقي نتكلم ذكريات» ويستطرد: «جريس، أبو عيد، أحبه كثيراً. هو صديق وفيّ لم يغدر يوماً برفيق له».

 

ألم تفرّق الحرب الأهلية والطائفية بين شعراء الزجل الأصيلين؟ يجيب: «حافظنا في جوقاتنا على التنوع الطائفي. سبح الزجل عكس الموجة الطائفية. وشعر الزجل لم يتلاش لكنه لم يعد كما كان» يتابع: «كنا في كندا يوم حصلت أحداث الدامور. غنينا أنا والزغلول وكانت دمعة في عيني ودمعة في عينه. قلتُ له يومها: في لبنان قذائف رايحة وقذائف جايي وما فيك تحمل همي وما فيي احمل همك. بكينا يومها معاً. جمعتنا أخلاق ومحبة».

 

 

النقابة والطائفية

ما دمنا نتحدث عن الطائفية، ماذا عن نقابة شعراء الزجل التي مضى على تأسيسها أكثر من 25 عاماً؟ ولماذا رفض طليع حمدان أن يصبح نقيباً؟ يجيب: «إجتمعنا قبل 25 عاماً في مطعم خليل شحرور وسموا، من دون إنتخابات، خليل شحرور نقيباً. قلنا لهم «أوكي» خليل شحرور هو النقيب ومكث أحد عشر عاماً في النقابة. بعدها قال لي: يا طليع اليوم هو دور جورج بو أنطون من حومال. هو صديقنا وحبيبنا وإنسان طيّب. أصبح بو أنطون نقيباً ومكث في موقعه خمسة عشر عاماً. مات جورج ومات خليل وأردنا أن ننتخب عادل خداج شقيقي وصديقي وحبيب قلبي نقيباً لكن الشباب (يقول أسماء ويتمنى عدم ذكرها) لم يقبلوا به ولعبوا لعبة طائفية. لعبوا طائفياً في نقابة شعراء الزجل. أتتصورين؟ وفي هذه الأثناء (قبل أشهر) إتصل بي شاب إسمه نجيب بيراق كان يعمل في النقابة وهو اليوم مستشار وزير الثقافة عباس مرتضى وقال لي: ابو شادي (إبن طليع البكر إسمه شادي) يريد الوزير أن يراك. قابلته فقال لي: أنت يا طليع سفير الزهر على دولة الشعر ولا أحد سيحلّ مشكلة النقيب سواك. أجبته: يا أستاذ «هالشي مش شغلتي»، أنا أريد أن أغني على المنبر فقط».

 

ألم يكن هناك سبب آخر لرفضه؟ يجيب: «لا، الجميع يريدني أنا. إلتقينا مرّة في منزل اخينا أبو ربيع (موسى زغيب) بعد ان اكد الجميع أنهم يريدونني نقيباً. ذهبنا فرأيناهم قد إختاروا أعضاء النقابة مثلما يريدون هم أما انا فبدوت كصورة. إنسحبت. عاد الشعراء، مسيحيين ومسلمين ودروزاً، وطلبوا مني ذلك». نحن نفهم بذلك أن المسالة ليست طائفية فهل هي صراع بين حمدان وزغيب؟ يجيب بحسم: لا، في كل حال، أتى بسام حرب وهو إبن رفيقي إدوار، فصحتين على قلبه». نشعر أنه لا يريد بلطفٍ الدخول في التفاصيل أكثر فنحترم إرادته لكننا نعود لنسأله عن وزير الثقافة: فهل موقعه كوزير للثقافة يخوّله تحديد من هو نقيب شعراء الزجل؟ يجيب: «جلس الوزير هنا، حيث تجلسين، وقال لي: يا طليع أنا اتيت الى هنا لأطلب منك ان تصبح نقيباً. هو أراد ان يكون فاعل خير ويحبّ النقابة وصِفته وزير ثقافة».

 

قبل أيام صدر بيان من نقابة شعراء الزجل في لبنان مذيل بتوقيع بسام حرب تقول فيه: لمسنا في الفترة الأخيرة إعتماد بعض الشعراء تعابير غير لائقة ولا راقية أو إيحاءات وتلميحات جنسية في أشعارهم… فهل الشعر الزجلي اليوم في خطر؟ هل ولى زمن شعراء الزجل الكبار الذين كانوا يختارون القصائد النظيفة؟ يجيب: «لم تكن تخطر في بالنا نحن حتى الإيحاءات».

 

طليع حمدان لم يتابع دراسته «أخذ السرتيفيكا» لكنه ضليع جداً جداً في العربيّة ويجعل القوافي ترتقي في غنائه. زوجته سلوى تصغي الى ما يقوله. هو اهداها كتيباً من قصائد صاغها لها وحدها لكنه ضاع في الحرب. إبنتاه سحر وزينة وصلتا للتوّ. ولديه ولدان: شادي وخزام. والجميع يهوون الشعر لكن لا أحد منهم يلقيه على منبر. قلبٌ واحد يجمع أفراد العائلة والنبض فيها هو أمير البيت طليع حمدان الشاعر اللطيف.

 

 

سعيد عقل وطليع

ماذا عن أبو شادي وسعيد عقل الذي حين سُئل عنه قال: لا أعرفه؟ يضحك كثيرا لهذا السؤال ويقول: «سُئل سعيد عقل مرتين عني. في المرة الأولى سألوه عن الشاعر الأول فقال: طليع حمدان. سألوه: ومن الشاعر الثاني؟ أجاب: طليع حمدان. ومن هو الشاعر الثالث؟ أجاب: طليع حمدان… وبعد وقتٍ سُئل من جديد عن رأيه بطليع حمدان فقال: لا اعرفه». ويستطرد طليع حمدان بالقول: «هناك من زعل منه فتراجع». هل إتصلت به؟ يجيب «نظمتُ له قصيدة قلت له فيها: مش سامع بإسمي الكبير كتير، يلي شهدت إلو العالم أكتر ما شهدتلك/ ووقت تسمع العصافير شعرك /بتصير يابسة متلك».

 

من أصدقاء الشاعر طليع رفيقه الشاعر إدوار حرب: «قلتُ له قصيدة يوم إزاحة الستارة عن تمثال له: زرت النهر بأجمل شهر/ لقيتو عمبصليلك الطلبة/ قلي أنا النهر صليبي زهر/ إن شكّ الندي مسمار بصلبي/ النهر عميقلب على ارض القهر/ وفوق الحجار معلمة/ قلت الفرق بيناتنا يا نهر/ إنت علّمت بحجار لبنان/ إدوار حرب معلّم بقلبي».

 

 

الصوت الشجيّ

يستريح أمير الشعر بقصيدة وجدانية ألقاها بإحساسٍ كبير. نصغي إليه وهو يلوّن الحروف ويُحدد القوافي ويرسم الصوّر. هو صاحب الصوت الجميل جداً، اللطيف، الذي عرف سرّ الإرتجال على المنبر وأبى إلا أن يُكرّس سلاماً في قلبه وعلى وجهه وفي أدائه. هو آخر ثلاثة شعراء زجل، من جيل ذهبي، ما زالوا ينبضون.

 

ماذا عن صوته؟ كيف حافظ عليه كل هذه العقود؟ يجيب: «دخنتُ في بداياتي كثيراً لكن الطبيب وضعني أمام إحتمالين لا ثالث لهما: يا صوتك يا السيكارة. تركتها والله العظيم بأعجوبة. صوتي حياتي وحياتي صوتي». وأخبرنا أنه كان يحيي سنوياً ما بين 35 إلى 40 حفلة.

 

 

ماذا عن أمير الزجل رشيد نخلة؟ هل أثّر فيه؟ يقول: «يا عيني على رشيد يا عيني. كان مالاً وجمالاً وشاعراً وزعامة. كل شيء راح وصمد الشاعر الذي فيه». ويستطرد: «في آخر أيام رشيد بتروا قدمه من السكري وكان يحب صبيّة زارته. كان «ع آخر عمره» فقالت له: آه يا رشيد هكذا أصبحت؟ أجابها: آه على جرحي وألف آه على جرحك/ وشوفي الفرق بين آهك وآهي».

 

عُرف طليع حمدان بحضوره القوي في مراسم الندب «اندب لون شعري في ذاته. كثيرون إشتهروا فيه من الزغلول الى موسى زغيب الى حنا موسى بس ما حدا بكى العالم أكثر مني». هل تأثير مراسم الندب تبقى ذاتها عليه مع مرور الأيام أم تصبح مهنة؟ يجيب: «من يملك عاطفة لا يتغيّر» ويقول فقرة من قصيدة ندب لطفل قالها في رحيل أب زوجته حامل: «وردك البعدو بكمو /ع بكي نادين صاغي/ طفل كاغى بحضن إمو /وطفل بعدو مش مكاغي».

 

هل عاش شعراء الزجل في لبنان «عيشة كريمة»؟ هل الزجل يُطعم خبزا؟ يقول طليع: «كلنا عشنا منه، أنا وزغلول وموسى وجريس وزين. لم نقم بعملٍ آخر وعشنا حياة كريمة وجميلة».

 

الدواوين

لديه ستة دواوين شعرية: «براعم ورد» و»جداول عطر» و»ليل وقمر» و»حياتي قصيدة» و»انطريني أنا جايي» و»افتتاحيات طليع حمدان». وهناك قصائد كثيرة كثيرة قالها ولم يجمعها في كتاب فضاعت. وهو ما زال يكتب يومياً: «أستيقظ عند الرابعة فجراً. أشرب المتة وأكتب». لا يقرأ ويقول: «لو قرأت لما أصبحت شاعراً. المثقفون يسرقون أفكار غيرهم من الكتب ويضعونها في قوافٍ بينما الإبداع «شغلة ربانية». هل سُرقت أفكاره وقصائده؟ هو مسالم، يعضّ على الجرح، لكنه لا ينفي حدوث ذلك ويقول: أنا كتبت «ليلة وداعك» التي غناها جورج وسوف وغنتها نجوى كرم. لم يُكتب أنها من قصائد طليع حمدان. وهناك قصيدة قلتها في الكويت غناها وائل كفوري وعاد واعتذر. وسام الأمير أدى «يا حبيبي فيق شو مغفيك» ووضعها باسمه وهي من قصائدي. عاتبناه فاتصل واعتذر.

 

وماذا بعد؟ ما هو اللقب الأجمل على قلبك من ألقاب أعطيت لك: شاعر المنبرين؟ أمير الشعراء؟ يجيب: «لا أحبهما لا احبهما. تباريت مع جريس البستاني فقلت: مع إحترامي لشعر موسى وشعر زين/ وشعر زغلول الإسمو شمخ/بعد بتجي أيام على الفرقتين/ وبدكم تشوفوني أمير المنبرين. قلت ذلك فلقبت أمير المنبرين. لكن، الأحب على قلبي: طليع».

نودع طليع وفي الآذان صوت رائع وفي القلب إحساس كبير وفي القوافي سرّ شاعر لا يتكرر.