صعب المشهد السوري الراهن أكثر من المألوف، ويزداد صعوبة. وتكاد فوضاه السياسية تزاحم تلك الميدانية المعتادة على مدى المرحلة الماضية، مع أنّ المفروض حصول العكس بعد ذهاب السيىء الذكر باراك أوباما الى بيته.
المحور الإيراني – الأسدي يُراكم مكاسبه في ظل تفعيل الحرب على الإرهاب، واستهداف المساحة والحضور لأبرز عناوينه عراقياً وسورياً، تماماً مثلما كان يحصل في ظل إنفجار الحالة «الداعشية» وتمدّدها الصاخب والصاروخي بدءاً من حزيران عام 2014! وهذه مفارقة لا تلغي حقيقة تقول بأن هذا المحور يسابق الزمن قبل احتمال وضع تفاصيل البند الثاني في أجندة الإدارة الأميركية موضع التنفيذ وهو الخاص بالتفرغ للتمدّد الإيراني بعد إكمال معركتي الموصل والرقّة(؟!)
كأنّ واشنطن تنتظر إكمال تصفية دولة «داعش»، قبل أن تباشر العمل بزخم وهمّة! لكن الآخرين، وموسكو في قمّتهم! لا يفعلون سوى الاستفادة القصوى من هذه الفسحة من أجل تثبيت مواقعهم، وكلٌّ وفق حساباته الأخيرة: روسيا تستدرج الولايات المتحدة الى «تسوية» شاملة تكون سوريا جزءاً منها. وتساهم في استفزازها ميدانياً من خلال تغطية تقدّم الميليشيات الإيرانية جواً، أو من خلال «الاحتجاج» على استهداف تلك الميليشيات من قبل الطيران الأميركي… فيما إيران تزخّم سعيها لتحقيق الوصل الأرضي المرتجى بين مناطق نفوذها، وتبث صور قاسم سليماني عند نقطة حدودية بين العراق وسوريا لتقول إنّ سلوكها باقٍ على حاله! وأجندتها لم تتأثر بالتهديد الأميركي، بل العكس! مثلما لم تتأثر سلباً بتأكيد ريادة «الإصلاحيين» و»المعتدلين» في الداخل، خلال الانتخابات الرئاسية، بل العكس!
بقايا سلطة الرئيس السابق بشار الأسد، جزء من الديكور، ولا يهمها في كل حال، سوى التأكيد على أنها لا تزال في مكانها، وستبقى حتى لو تزلزلت الأرض أكثر! وتشلّعت سوريا مئة شلعة! وارتفع منسوب الدم فوق الرِّكبْ! وعمّ الخراب في كل ناحية! وتبخّرت تماماً أنشودة «السيادة» حتى آخر حرف فيها!
على الجانب الآخر تبدو تركيا غاشية بدورها. ولم تعد تجد أمامها أي همّ أكبر من هم تمدّد دور المكوّن الكردي! فيما فصائل المعارضة المسلحة تدفع الأثمان في كل الأحوال! وكيفما مالت العلاقات الدولية والإقليمية! الثمن الأكبر دفعته في حلب ثم في ريف دمشق وضواحيها ومنطقة القلمون المحاذية للحدود اللبنانية.. وها هي تواجه طلاسم (أو صدمة!) معركة درعا من دون أن تتيقّن من «حدود» الدعم الأميركي! عدا عن كونها مطالبة بإكمال مقوّمات الفرز في داخلها بين «معتدليها» و»إرهابييها» من دون منّة أو تقدير أو اعتراف تام بدورها.
على هذا الجانب أيضاً، مطلوب افتراض خلاصة منطقية من حالة تكاد أن تكون جنونية: واشنطن لا يهمها الأسد ولا تريد إعطاء موسكو «أي شيء» في مقابل تخلّيها عنه! لكنها تريد الدور الروسي لدعم سياستها الموعودة بالتصدّي للنفوذ الإيراني في سوريا والعراق معاً! وهي (أي واشنطن!) تشارك من بعيد في معركة الموصل التي تخوضها فعلياً ميليشيات «الحشد الشعبي» المرعية من إيران والمربوطة بها ربطاً مصيرياً! ثم بعد ذلك، تريد من الدولة العراقية، الشريك المضارب في المعركة، أن تكون أيضاً جزءاً من آليات التصدي للنفوذ الإيراني! أي بالنتيجة، تريد من «أدوات» إيران أن تواجه إيران!! مثلما تريد من تركيا، أن تشارك في الحرب على الإرهاب فيما تعطي القيادة في معركة الرقّة الى مكوّن كردي متّهم بارتكاب عمليات إرهابية داخل تركيا!
في ذروة هذه الطلاسم، يأتي أداء الإدارة الأميركية، أو مفهومها لكيفية «الانتصار» على الإرهاب، ولجم النفوذ الإيراني، وتنظيف مخلّفات باراك أوباما: حتى الآن (؟) تبدو هذه الإدارة وكأنها ملتزمة (حرفياً) «مبدأ أوباما» القائم على «القيادة من خلف»! تضع أهدافاً كبيرة لكنها لا تريد الانخراط في تنفيذها بل تترك المهمة لغيرها! وتعدّل في سياستها الخارجية نظرياً لكنها ليست مستعدة لترجمة ذلك عملياً!
قد تكون هذه خلاصة مستعجلة، وقد لا تكون.. لكن لن تطول المعركة المزدوجة في الموصل والرقّة، وبعدها يُمكن الحسم في التشخيص!