IMLebanon

ترنّح وقف النار يُعرّض خارطة الطريق للاهتزاز… وحديث عن قوة عربية لضمان الهدنة!

ترنّح وقف النار يُعرّض خارطة الطريق للاهتزاز… وحديث عن قوة عربية لضمان الهدنة!

بوتين لن يحرق أوراقه وقوة قتالية من 6 آلاف على الأرض في سوريا… والتقارب مع ترامب على حساب طهران

المشهد السوري على تعقيد أكبر من أن تؤول خارطة الطريق التي رسمتها موسكو وأنقرة إلى إنهاء الحرب بين النظام والمعارضة وإعادة ترتيب البيت الداخلي ومحاربة الإرهاب بالقضاء على تنظيم «داعش» وغيره من التنظيمات المصنّفة أو التي قد تُصنّف إرهابية. قد يُشكّل الاتفاق الروسي – التركي، في نظرة تفاؤلية، بداية الطريق ليس إلا. الفرصة قد تكون نادرة أمام «سيد الكرملين» فلاديمير بوتين، من البوابة السورية، لكسر أحادية الزعامة التي ورثتها أميركا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وإن كان من الصعب بمكان الرهان على العودة إلى زمن القطبين.

رهان بوتين هو على استثمار تدخله العسكري في سوريا إلى أقصى الحدود، استراتيجياً وسياسياً واقتصادياً. وما يقوم به من خطوات تصبّ في إطار تعزيز موقعه وأوراقه. فهو، وفق مطلعين على مجريات التحرّك الروسي، يعمل على تقوية وجوده العسكري في الميدان السوري من خلال نشر قوات روسية على الأرض لها قدرات قتالية تقدر بنحو 6 آلاف جندي، فضلاً عما تقدمه «قاعدة حميميم» من وظائف لوجستية وتنسيقية وإدارية، والدور الذي تلعبه قواته في إطار إعادة هيكلة الجيش السوري وإنجاز المصالحات بين النظام والمعارضة المسلحة في العديد من القرى وإنهاء حالة المواجهات العسكرية. ويهدف من هذه الخطوات إلى تهيئة المناخات لانخراط أكبر، إذا سارت الأمور بالاتجاه الذي يرسمه، ما يتطلب حضور قوته ميدانياً وليس اقتصارها على قدرات سلاحه الجوي.

ورهان بوتين أيضاً أن يستثمر في التقارب الروسي – التركي، حيث المصالح الجيوسياسية والاقتصادية بين البلدين. هذا الاستثمار يتطلب دفع أثمان لأنقرة ولانعطافة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، رغم أن حلفاء روسيا يرون أن انعطافة أردوغان ليست وليدة قناعة سياسية بقدر ما هي «انعطافة الضرورة» فرضتها عليه التحديات التي يواجهها في الداخل التركي، والموقف الأميركي الداعم للأكراد ولمشروعهم الخاص في إقامة «دويلة كردية» ليس من الواضح بعد الشكل الذي ستأخده، بين حكم ذاتي ضمن دولة مركزية أو كيان منفصل. هذا التقارب الروسي – التركي الذي تمظهر عملياً عبر الاتفاق الثنائي لوقف إطلاق النار بين النظام والميليشيات المقاتلة إلى جانبه من جهة، وبين المعارضة المسلحة من جهة ثانية، وما سيعقبه من مرحلة ثانية تتمثل بمحادثات الأستانة لبدء بحث الحل السياسي، يَنظر إليه النظام السوري وإيران بحذر لكنهما يسيران به بانتظار أن تتكشف مآلاته ونتائجه، ويعتبران، وفق عارفين بخطط دمشق – طهران، أن نجاح الاتفاق مرهون بمدى قدرة أنقرة على التأثير على الفصائل المسلحة المطلوب منها الانفكاك عن «جبهة فتح الشام» التي لا يشملها وقف النار، وفق النسخة التي وقّع عليها النظام. وهذا يعني أن حرباً أهلية داخلية في مناطق سيطرة المعارضة لا بد من أن تنشأ، الأمر الذي كان محور إيران – دمشق ينتظر طويلاً أن يحدث، ويراهن عليه الآن لإضعاف الفصائل المسلحة وإنهاكها بعضها لبعض، وهو ما يصبّ في مصلحته، ذلك أن النظام وحليفه الحرس الثوري الإيراني والميليشيات التابعة له ماضون في تحديد أولوياتهم الميدانية، ومواصلة المعارك والضغط العسكري في الميدان، إنما تحت سقف الاتفاق لتفادي استفزاز موسكو في هذه المرحلة.

على أن النظام السوري وطهران عمدا بوضوح، بُعيد اجتماع موسكو الثلاثي الذي أعلنت في أعقابه روسيا وتركيا عن رعايتهما وقف إطلاق النار، إلى إظهار قوة تحالفهما وترابطهما المصيري عبر زيارات متبادلة لوزير الخارجية السوري وليد المعلم والمسؤول الأمني – الاستخباراتي علي المملوك لطهران واللقاء مع مستشار المرشد الأعلى للجمهورية علي أكبر ولايتي، وزيارة رئيس لجنة الأمن القومي في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي إلى دمشق، تحمل في ثناياها رسائل متعددة الاتجاهات، ومنها ما يتعلق برفض ما تطالب به أنقرة من انسحاب للميليشيات الشيعية من سوريا وعلى رأسها «حزب الله»، واعتبار أن وجود هذه الميليشيات تمّ بطلب من النظام بما يجعل وجودها شرعياً، وهو موقف كانت تتماهى معه الدبلوماسية الروسية، قبل أن يبدو اليوم وكأنه الثمن المطلوب أن تقبضه أنقره في إطار التحالف المستجدّ بينها وبين موسكو.

ما يقوله حلفاء «محور الممانعة» من أنهم لن يعطوا تركيا ومَنْ خلفها في السلم ما لم تستطع تحقيقه في الحرب، ربما يشي بما ينتظر المشهد السوري. الأكيد أن جزم بعض أطياف المعارضة السورية بأن التوافق الروسي – التركي حيال سوريا سوف يحدّ من النفوذ الإيراني فيه كثير من التفاؤل غير الواقعي.

فالمعادلة في سوريا، لا بل في المنطقة، لا تستقيم من دون تبلور موقف اللاعب الأميركي. ففي زمن انكفاء إدارة باراك أوباما، خطت موسكو إلى الأمام وعززت موقعها، وهي تنتظر اليوم أن يتسلم دونالد ترامب مهامه ويبدأ البحث في ملفات الشرق الأوسط لتبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود. روسيا التي أخذ مجلس الأمن علماً بخارطة طريقها في سوريا تملك اليوم الفرصة الثمينة التي لا تريد إضاعتها وإثبات أنها صانعة التسويات وليست فقط شريكة فيها، لكنها تدرك أن هذا المجد الروسي يحتاج إلى دمغة أميركية. هذا ما يجعل بوتين، وفق العارفين بالسياسية الروسية، يقف في منتصف الطريق بانتظار أن تتبلور الرؤية الأميركية حياله، لتحديد الجهة التي سيسلكها. في تقديراته أنها سياسة تعاون ستؤول إلى رسم معالم المرحلة المقبلة في سوريا، حيث محادثات الأستانة هي خطوة تمهيدية لمحادثات جنيف وبدء مسار الحل السلمي، ويصل الحديث هنا إلى تأليف قوة عربية مشتركة من أجل ضمان الهدنة والإشراف على الحل السياسي، وإلى توافق مستقبلي بين موسكو وواشنطن على حرب مشتركة لمكافحة الإرهاب عبر آليات جديدة، ليست تلك القوة بعيدة عن لعب الدور المطلوب منها على الأرض، ذلك أن سياسة ترامب لن تحيد عن سياسة أوباما لجهة عدم الزج بالجنود الأميركيين في الميدان والاكتفاء بالدعم اللوجستي والاستشاري المدعوم بالضربات الجوية. وهو سيذهب في هذا المنحى انطلاقاً من قناعة صنّاع السياسة الخارجية في فريقه أن محاربة «داعش» تحتاج إلى قوة سنية من أجل احتواء الحرب المذهبية التي زادت الميليشيات الشيعية المحسوبة على إيران في تغذيتها في العراق وسوريا، وانطلاقاً من الهدف الأساس الذي وضعه خلال حملته الانتخابية، ولا يزال متمسكاً به، وهو اعتماد سياسة تشدّد حيال طهران سواء في ما خص الملف النووي الإيراني أو تمدّدها في دول المنطقة.

سيد «الكرملين» لا يريد أن يحرق أوراقه، ولا أن يُضحّي بحلفائه هباءً. سيضع يده بيد سيد «البيت الأبيض» إذا سلك الأخير درب التعاون لا التصادم، وتوافقت المصالح. عندها لا يتردد في تحجيم من يقف عائقاً أمام الاتفاق الروسي – الأميركي، وحتى لو جاء ذلك على حساب طهران!