«من المحيط إلى الخليج قبائل بطرت فلا فكر ولا آداب أنا يا صديقة متعب بعروبتي فهل العروبة لعنة وعقاب أمشي على ورق الخريطة خائفاً فعلى الخريطة كلنا أغراب» (نزار قباني)
ليعذرني الأصدقاء القلائل الذين ما زالوا حتى اليوم يلبسون وشاح الوحدة العربية والأمة الواحدة من المحيط إلى الخليج، وهم بالمناسبة من خيرة «الأوادم» الذين قضوا عمرهم وهم يحلمون بالوحدة لإعادة عناصر القوة والعزم والإحترام للمواطن العربي الفرد.
ليعذروني اليوم فأنا عازم على إحباط أحلامنا المشتركة لأقول بأن «سايكس» و «بيكو» لم يكونا خبيثين أبداً عندما رسما خطوط كيانات المنطقة على الخريطة، فلو كان قدر العرب الوحدة حقاً فلماذا اختار وريثا الشريف حسين حكم مملكتين متجاورتين بدل الإتحاد؟ ولماذا فشلت كل محاولات القادة «أشباه الأنبياء» في الحفاظ على مشاريع الوحدة العشوائية التي نسجوها على عجل وفرطوها على عجل؟ ولماذا جعلوا حتى من جامعتهم موقعاً لتبادل القبل اليوضاسية، والمواعيد العرقوبية؟
اليوم، وبعد الذي شهدناه، اني أقولها بالفم الملآن: إني أمقت شعار الوحدة وأشفق على من بقي يحمله في صدره كأيقونة أو تعويذة تقيه من الكفر بكل شيء واليأس من كل شيء، وأكره كل من يرفعه شعاراً كذباً ورياءً يغطي به فشل ووحشية الحكام، وأندم على كل كلمة هجاء استعملناها لنصف بها من هم غير عروبيين من «انعزاليين» أو «خونة» أو «عملاء الإستعمار» أو «عملاء الإمبريالية والصهيونية»، لمجرد أنهم عبروا عن آرائهم المغايرة للعروبة، أو أننا نحن العروبيين دفعناهم يوما ما إلى اللجوء إلى الإنعزال أو الإستعمار أو الإمبريالية أو الصهيونية، ليحافظوا على أرواحهم أو معتقداتهم أو حريتهم… دفعناهم بعيون مفتحة إلى «الخيانة» لأننا نسعى إلى «الوحدة» بالقوة والإكراه، في حين أنهم كانوا يدافعون عن حريتهم وتعدديتهم.
منذ سنوات، وقبل أن يحتل الولي الفقيه المعابر إلى سوريا، وقبل أن يختار وحش وحدوي أن يغتال رفيق الحريري لمجرد أن له رأيا آخر في الوحدة والعروبة، كنت أزور ضريح «صلاح الدين الأيوبي» في دمشق… لم أتمالك نفسي عن البكاء بصوت مسموع أحرجني أمام الزائرين شوقاً إلى صلاح الدين وأسطورة صلاح الدين، تذكرت أيضاً ما قاله الجنرال «غورو» عند دخوله دمشق بعد معركة «ميسلون»، فوضع قدمه على الضريح وقال «ها قد عدنا يا صلاح«!.
يومها قسم الفرنسيون سوريا إلى ستة أقسام، واحد أخذته تركيا والثاني أصبح جزءاً من لبنان الكبير، والدول الأربع الباقية تشبه إلى حد كبير الواقع اليوم: حلب، اللاذقية، السويداء ودمشق.
سنة ، وعندما قرر «ليون بلوم» اليهودي الإشتراكي ورئيس وزراء فرنسا إعادة توحيد الأقاليم الأربعة، بعث وجهاء العلويين في دولة اللاذقية برسالة موثقة ومعروفة إلى رئاسة الوزراء الفرنسية يطالبون فيها ليون بلوم بالعودة عن قراره وإبقاء التقسيم لأن «العلويين لا يأمنون على حريتهم في ظل دولة أكثريتها من العرب المسلمين»، كما أنهم حاولوا تحريض بلوم غامزين من قناة رفض العرب الوجود اليهودي في فلسطين.
قرار توحيد سوريا اعتبره العروبيون يومها انتصاراً قومياً فيما كان هدف بلوم هو أن يستعد للحرب القادمة مع المانيا، ولم يكن يريد أن يكون العروبيون شوكة في خاصرة دولته إن تحالفوا مع «الحاج محمد هتلر!».
لعن الله تلك اللحظة، فلو بقيت سوريا كما قسمها غورو لكانت مكوناتها، ربما، مستقرة تبحث عن النمو وتتداول السلطة خارج منطق الأكثريات والأقليات والحساسيات الطائفية والمذهبية، ولربما لم يكن هناك فرصة لما يشبه «حافظ أسد» يحلم بامبراطورية تحكمها أقلية، فتقهر من أجل وحدتها الأكثرية، ولربما كنا تجنبنا الدمار والموت، الرحمة على زمن الإستعمار ورحم الله غورو.
لماذا هذا الحديث الآن؟ لأن الدخول الروسي اليوم إلى سوريا عدة وعديداً يشي بأن الحديث عن مشروع «سوريا النافعة»، أي الشريط الممتد من دمشق إلى حمص إلى الساحل السوري، بدأ يتحول إلى تطبيق عملي برعاية روسية خاصة بعد أن فشلت منظومة ولاية الفقيه في الحفاظ على وحدة سوريا وعلى التواصل الجغرافي للهلال الشيعي.
في الايام القادمة، اعتقادي أن الصراع سيحتدم على خط دمشق-حمص، والمعني هنا بالاساس هو «حزب الله«. فهل سيتحمل استمرار النزف في عديده أم سيستدعي قوات نوح زعيتر للنجدة؟.
()عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل»