Site icon IMLebanon

الحديث عن مخاطر تحرّك الإرهاب مجدّداً في محلّه أم إنه مجرّد تهويل وتضخيم؟

عندما “حمي” وطيس المواجهات في الساحة اليمنية وعلت في موازاتها حماوة “الاشتباك السياسي والاعلامي” في الساحة اللبنانية الى درجة غير مسبوقة، راودت أوساط عدة مخاوف حقيقية من أن يكون هذا الواقع المشحون بعوامل التوتر والاستغراق في التناقضات والأصوات العالية فرصة للارهاب المتربص في الداخل لكي يعيد تجديد حيويته واستئناف اندفاعته لاستكمال رحلته اللبنانية التي بدأها أكثر ما يكون في أواسط الصيف المنصرم لحظة أعلن حربه على لبنان وجيشه.

وفي ضوء هذه المناخات السلبية المتجددة، بادر الارهاب الذي يجد حاضنته المثلى للنمو والتمدد في التناقضات والنزاعات في أي ساحة، فيلج اليها من بيئات تمتلك قابلية استيلاد ظواهر متطرفة ويطل برأسه مجدداً من خلال جملة مظاهر. فسارعت المجموعات المتطرفة المختبئة في أزقة مخيم عين الحلوة لترتكب جريمتها المدوية عبر تصفية الشاب اللبناني مروان عيسى بعد استدراجه الى داخل المخيم انفاذاً لخطة دبرت في ليل وكان المراد منها استدراج رد فعل يخلط الاوراق ويفتح أبواب الفتنة، أو بداية متدحرجة لتجارب مشابهة الى درجة أن أحد قادة الاجهزة الأمنية الرسمية في الجنوب العميد علي شحرور حذر الفصائل في المخيم الأكبر في لبنان من مغبة تكرار تجربة مخيم اليرموك ما لم يبادروا الى وضع حدّ لتلاعب المجموعات المتطرفة بأمن المخيم وبعلاقته بالجوار. وهو تحذير من مغبة لعبة توريط متعمدة للمخيم.

في موازاة ذلك كانت الأنباء الواردة من الحدود الشمالية تتحدث تكراراً عن استعدادات متزايدة للارهاب المتمركز منذ زمن في جرود عرسال والقلمون لميعاد يضرب فيه ضربته الموعودة، خصوصاً أن كل الاطراف في ذلك الميدان المترامي يعدون العدة ليوم حاسم في تلك الجرود القصية والقاسية.

وفي العمق اللبناني، وتحديدا في طرابلس، قيض للأجهزة الامنية ان تنزل ضربة استباقية شديدة الوقع قيل إن الحظ لعب فيها لعبته بمجموعة ارهابية محترفة وخطيرة هي مجموعة خالد حبلص وأسامة منصور. وأكدت المعلومات التي وردت لاحقاً أن هذه المجموعة كانت تتحرك في سياق خطة عنوانها العريض إعادة تحريك المجموعات والخلايا النائمة ودفعها الى الفعل على نحو يضع حداً لمفاعيل الضربات المتتالية التي انزلها الجيش، خصوصاً في الأشهر التسعة المنصرمة، بهاتيك المجموعات الارهابية التي سقط لها خلالها رؤوس كبيرة وخطيرة وأرست معها اعتقاداً فحواه ان 80 في المئة من مخاطر الارهاب الظاهرة والكامنة قد اجتثته جهود الجيش.

وترافق هذا المشهد الامني الساخن مع موجة مخاوف سياسية وردت من أكثر من جهة عنوانها الأساسي أن الأشهر الثلاثة الفاصلة عن موعد توقيع الاتفاق النووي بين ايران والدول الست تنطوي تلقائياً على احتمالات تفجير وتصعيد في هذه الساحة أو تلك يحملها الراغبون في عرقلة الاتفاق ووأده في مهده، والتائقون الى تمريره وجعله أمراً واقعاً يطوي حقبة ويفتح صفحة أخرى على السواء.

على أساس هذا كله كان طبيعياً أن تكبر المخاوف وتكبر معها الاسئلة عماً اذا كانت هذه المخاوف في محلها ام انها لا تعدو كونها تضخيماً وتهويلاً لغايات في نفوس البعض، واستطراداً هل يمكن هذا الارهاب المتربص ان يعاود نشاطه ويستأنف ضرباته في الداخل المبتلي بمزيد من عناصر الانقسام؟

واذا كانت اليمن هي الآن ساحة الاشتباك العسكري الاقليمي بأجلى صوره وأوضح تمظهراته، فالمراقب لا يحتاج الى كبير عناء ليدرك ان الساحة اللبنانية صارت ساحة اشتباك موازية اعلامياً وسياسياً، وهو اشتباك مقدر له ان يتعالى ويستمر في قابل الايام.

في بداية الحدث اليمني كان السؤال في بيروت متمحوراً على ما اذا كانت عناصر التماسك القليلة على الساحة الداخلية، وفي مقدمها حوار عين التينة والحكومة، ستصمد، وكان السؤال المتفرع استتباعاً عن مصير الاستقرار الامني الذي خال الكثيرون انه انجاز يعتد به في الآونة الأخيرة ولا سيما بعد انطلاق الحوار.

واذا كانت تجربة الايام القليلة الماضية أظهرت رغبة طرفي الصراع في ديمومة الحوار وفي الابقاء على الحكومة بمعزل عن تأثيرات الحدث الاقليمي المدوي، فإن رأي البعض ان الضربة الامنية في طرابلس والتي أدت الى فرط عقد مجموعة حبلص – منصور تدفع الى الاستنتاج أن قرار الحفاظ على الاستقرار الأمني وجبه تمددات الارهاب ما زال سارياً وقائماً، وقد دخل عليه عنصر مستجد هو ان المطلوب مشاركة كل الاجهزة الامنية بما فيها الجهاز الذي كان محتجباً عن مواجهة الارهاب في المعركة.

والأبعد من ذلك أن المظلة السياسية المطلوب توافرها لهذه المواجهة مع الارهاب ما زالت حاضرة ويؤمنها كل الأطراف من دون استثناء.

وعلى بلاغة ذلك، فإن الحذر سيبقى واجباً خلال الأشهر الثلاثة المقبلة على وجه التحديد لأن رياح التطورات الاقليمية العاصفة والمتسارعة تلفح بهاجرتها وجه كل دول المنطقة وتنطوي على أكثر من احتمال، خصوصاً مع غياب مبادرات التسوية والحلول، وهي ربما فتحت الأبواب، وربما النوافذ، على مخاطر شتى، خصوصاً أن الارهاب كالفيروس ينمو في البيئات الضعيفة والأجساد المنقسمة على ذاتها.