Site icon IMLebanon

نقاش في سبل ضبط الحداثة الإعلامية والإستسهال في توظيفها سياسياً

نقاش في سبل ضبط الحداثة الإعلامية والإستسهال في توظيفها سياسياً

إعلام بديل بلا قعر يستوجب تشريعات تستعيد المهنية وتجهض الـ Fake News

 

لا يخفى النقاش في المدى المفتوح، (بلا قعر أحيانا كثيرة) الذي صارت عليه مواقع التواصل الإجتماعي، وخصوصا ما سُمّي الإعلام البديل، أو الجديد نسبة الى الإعلام التقليدي. ذلك أن هذا المدى غيّر جذرياً في مفهومي الإعلام والموضوعية، وهما صنوان لم يتناقضا يوما إلا بعدما صار الإعلام مجتزأً بين تقليدي وحديث، والأخير في أحيانا كثيرة براء من الحداثة ومتفلّت من أي ضوابط أخلاقية، لا المهنية وحدها فحسب. حتى أن الإعلام التقليدي نفسه تأثّر سلبياً بما جاء به الإعلام الجديد، بفعل الحاجة الى الإبقاء على الحد الأدنى من المنافسة في ضوء التكاليف الباهظة التي ترتّب على الصحف الورقي-إلكترونية، على سبيل المثال، للإستمرار، مقارنة بضئالة مصاريف الإعلام الإلكتروني وحجم ما يلقاه من إقبال جماهيري وما نتج عنه، إستتباعاً، من تهافت إعلاني.

هذا النقاش في أصول المهنية الإعلامية لا يزال خافتاً في لبنان، مقارنة بما وصل اليه في دول كثيرة، المحيطة منها والغربية:

1-مصر والإمارات العربية المتحدة أقرّا تشريعا تنظيميا مفصلا.

2-فرنسا أقرّت قانون مكافحة التضليل الإعلامي بمبادرة من الرئيس إيمانويل ماكرون بعدما إستُهدف في حملته للانتخابات الرئاسية عام 2017 بشائعات عن حياته الخاصة ومزاعم بامتلاكه حسابا مصرفيا في البهاماس.

3-ألمانيا وضعت قانونا يفرض غرامات تصل الى 50 مليون يورو على مواقع التواصل الإجتماعي في حال نشرها أخبارا كاذبة، في حين يخوض فايسبوك حربا ضروسا ضد من يستخدمه منصة لهذا النوع من الأخبار.

ذلك أن التفلّت فرض تنظيما قاسيا تجاوز لازمة الحريات، وهي لازمة صارت كليشيه، لأن أيا من المجتمعات، بما فيها الغربية، لم تكن لتحتمل حريات بل قعر.

وما زاد النقاش الغربي إحتداما، تعمّد الإعلام الجديد الإثارة لأسر القارئ- المستهلك، وإستطرادا حصد أكبر قدر من النقرات الموازية حكما لمداخيل إعلانية إضافية، حتى لو أغرقه بالأخبار الزائفة Fake News، أحد أكثر عوارض الحداثة الإعلامية المزعومة فتكا وتهشيما وتدميرا. وتحوّل هذا العارض سلاحا فتاكا يُستخدم في السياسة لإستهداف الخصم وضربه.

الأمثال لا تحصى لبنانيا عن توظيف الـ Fake News في الدعاية (لا الإعلام)، وخصوصا مع الفورة التي واكبت الإنتخابات النيابية الأخيرة. أحد المرشحين الخاسرين في الأشرفية، على سبيل المثال، عمد قبل أشهر من الإنتخابات الى إستحداث موقع إلكتروني إخباري واجهة لحملته، بحيث كان يرمي فيه مواربة دعايته الإنتخابية ضد خصمه الى جانب التحديثات الإخبارية العادية (لكي يضفيه صدقية)، ومن ثم يعود الى إستخدام المواد الزائفة في خطابه الإنتخابي على أنها حقيقة مطلقة منسوبة الى الموقع نفسه المموّل منه. وما إنتهت الإنتخابات حتى دخل الموقع في مرحلة إحتضار تدريجي الى حين سكونه كليا في غضون أسبوعين.

لكن الأخطر في كل هذا النقاش، وقوع مسؤولين، وزراء ونواب، في خطيئة الإعتماد على الأخبار الزائفة للترويج لوجهة نظر أو لإستهداف خصم، تماما كما حصل، على سبيب المثال، في كذبتي شركة ENI الإيطالية في مسألة التنقيب عن النفط وشركة سيمنز الألمانية في مسألة تأمين التيار الكهربائي. وفي كلا الحالين إستسهال غير مسؤول في الإتكاء على الكذب من الأخبار يناقض ما يُفترض من إتّزان وشفافية ومصداقية عند أي مسؤول، وإصرار غير مفهوم على الإستمرار في الترويج رغم ثبوت الخطأ وتبيان مصدر الكذب.

أما آخر أوجه إستثمار الأخبار الزائفة فقضية الطائرة الرئاسية التي وصل فيها مستهدفو الرئاسة حد نسج أساطير (4 طائرات رئاسية لزوم الحاشية!)، وقبلها مسألة الثروة المليارية المنسوبة زوراً الى مجلة «فوربس» والتي رُمي بها ميشال عون، ووقع ضحيتها إعلام رصين. كل ذلك بغية تأليب الرأي العام وتعميم الفساد على الجميع بهدف التعمية على المكمن الحقيقي، لا الإصلاح أو التصويب، في سياق الإستهداف المنظّم الذي يطال يوميا رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر، فيما يتلطى المستهدِفون بالحرية ستارا للنيل من الرئيس.

من هنا كان لا مفر من إعلاء الصوت لجبْه هذا الإستهداف المعيب المرتكز حصرا على أكاذيب السرقة والفساد والتكسب غير المشروع. وينتظر الحكومة الجديدة هذا التحدّي الذي يفترض أن يتحوّل تشريعات قانونية تقضي على هذا النوع من الآفات المهددة للكيان، تماما كما فعل إيمانويل ماكرون في فرنسا وأنجيلا ميركيل في ألمانيا، إلا في حال صار للبعض التماثل بهاتين الدولتين – الأمتين عيبا لا يجوز إقتباسه عن الغرب!