IMLebanon

حول الحديث عمّن سيخلف «داعش»

 

لدى الحديث عن انكفاء تنظيم «داعش» الإرهابي وهزيمته، في العراق وسورية خصوصاً، يتكرر قول رائج عن أن هذه الهزيمة هي هزيمة عسكرية فقط، ولذا فإنّ «داعشَ» آخرَ سيخلُف «داعش» الحالي. ويحاجج هذا القول، عن حق، بأن البيئة التي أنتجت «داعش» لا تزال رابضة ولمّا تتفكك، وأنه لا بديل عادلاً أو ديموقراطياً حلّ بدلاً من التنظيم، فـ «المنتصرون» مستبدون ودمويون وطائفيون، كما أنه لا ثقافة دينية عفية وعقلانية وإنسانية جديدة تولّدتْ من التجربة المُرّة التي صاحبتْ صعود التنظيم وتمدده وانحساره، ومن الطبيعي أن لا يكون «منتصرون» تلك صفتهم قادرين على خلق هذه الثقافة، فضلاً عن أن الطرف غير المنتصر في هذه المعارك غير مؤهل لهذه المهمة، لأنه يقدّم الطبيعة التي يتوافر عليها «المنتصر» ذريعةً لعدم الاعتراف بالهزيمة، والإصرار، تالياً، على إنتاج جولة جديدة من سردية المظلومية كقنطرة للمواجهة السالبة، وفي ذلك إغراقٌ في التفسير الخاطئ للهزيمة، وتعطيلٌ لمبدأ السببية في تحليل الأحداث والوقائع. عند هذا الحدّ قد يجوز الاستنتاج بأن الذي هُزم ليس «السُنّة» في العراق وسورية ولبنان، وإنما الهزيمة هي هزيمة الدولة الوطنية وأيّ مشروع على صلةٍ بالوطنية الجامعة والمواطنة المتساوية والدولة العاقلة.

واستناداً إلى مضمون الفهم السابق قد تبدو مقولة إن «داعش» آخر سيخلف «داعش» الحالي مقولةً إشكالية لثلاثة أسباب:

أولها، أنها تهجس، من حيث تقصد أو لا تقصد، بوعي تشاؤمي ينطوي على ما يُشتمّ منه عدم ثقة بالشعوب العربية على تعلّم الدروس، وبأنها أسيرة تكرار الأخطاء مرة تلو أخرى.

وثانيها، أن تلك المقولة تخدم التيارات الإسلاموية، الجهادية وغيرها، ممن تُؤسس مقولاتها على الجزم بأنه لا خلاص سيأتي ما دامت أنها مستهدَفة ومحارَبة من قبل الخصوم والأعداء، «القريبين والبعيدين». وتصريف ذلك استمرار سردية المظلومية- الضحية، التي من مقوماتها أن هذه التيارات هي المستقبل الذي لا بدّ من أن ينبلج يوماً ما، «ليعود الحق إلى نصابه»!

وثالثها، مستنداً إلى السببين السابقين، يتمثل في أن القول إنّ تطرفاً دموياً آخر آتٍ قولٌ (على رغم واقعيته الجارحة) لا يُلقي بالاً لعذابات الشعوب جرّاء هذا التطرف، وبأنّ عذاباتها ستكون مضاعفةً حين تلجأ إلى احتضان التطرف لمواجهة ظلم الأنظمة والعالم.

هي دعوة للمراجعات ومحاولة تعلّم الدروس، وعليه، فإنّ الأجدى أنْ تتمحور المعالجة على تأكيد أنه لا منتصرون ما دامت الوطنية الجامعة الحُرّة هشّة ومريضة في دول الصراع، وهي وصلتْ إلى هذا الحدّ بفعل الاستبداد والتطرف، وأنه لا بدّ من الاعتراف بأن الأخيرين لا يزالان عنيدين للغاية في واقعنا العربي، ما يفيد بأن التضحيات الباهظة لم تكن في الاتجاه الصحيح الكافي لهزيمتهما، فـ «المهمة لم تُنجز»، أيْ أنّ ثمة قَدَراً أجمل… في انتظار من ينجح في ذلك.