IMLebanon

حديث المناورة..

ليس أسوأ من تدخل «حزب الله» الكارثي في النكبة السورية، سوى العودة الى «موضوع إسرائيل» بحجة الانتقام لمقتل سمير القنطار، لمحاولة محو آثام وآثار ذلك التدخل، والهروب تالياً، من طَرق «الموضوع الروسي» في سوريا!

كأن هذا الحزب احترف لغة النزال والقتال، وما عاد يعرف التحدث بغيرها. ولا أن يتصرف خارج ما تفرضه قواعدها ومصطلحاتها. بل هو على مدى وجوده (أو صعوده) منذ مطالع ثمانينيات القرن الماضي لم يعش ولم يترك أحداً غيره يعيش، على وقع وتيرة مخالفة لبيان الحرب ذاك، والذي يرفعه بكثافة تقارب أن تجعل منه صنوّ الوجود تماماً!

الغريب الاستثنائي، راهناً، هو أن «حزب الله» الذي وعد أمينه العام في طلته قبل الأخيرة، أن يتحدث لاحقاً عن «الموضوع الروسي»، تجاهل الأمر مجدداً وعاد الى «الموضوع الإسرائيلي« معتمداً مناورة محسوبة: بدلاً من أن يفتح النقاش، أمام ناسه قبل غيرهم، عن معنى تصاعد وتيرة الغارات الإسرائيلية على مواقعه وعناصره وطرق إمداده في الداخل السوري بعد مباشرة روسيا حملتها الجوية هناك، آثر الذهاب الى بيان الحرب مع إسرائيل، لكن من دون تلك الحرب!

وآخر ما يريده اللبنانيون، كل اللبنانيين، هو العودة الى ذلك الضنى! وإلى القلق من احتمالات التصعيد مع إسرائيل.. لكن بغض النظر عن هذا المعطى (الذي يعرفه «حزب الله« أكثر من غيره!) فإن السؤال الخاص بالدور الروسي في سوريا هو الذي يحتاج الى إجابات لا تزال معطلة! وهو الذي يحتاج الى تفسير لا يزال غائباً! وهو الذي يحتاج الى شروحات لا تزال مخبّأة في العبّ!

يعرف الناس بداهة ان القرار 1701 لا يزال حيّاً يُرزق! وان «حزب الله» هو العين الساهرة على رعايته وصونه ومنع أي تعرّض له! بل ويعرفون بداهة، ان هذا القرار تعرّض أكثر من مرّة، لامتحانات صعبة لكنه نجح في تخطيها! وانه ثبّت فترة هدوء عند الحدود الجنوبية لم يسبق لها مثيل منذ قيام دولة اللصوص في الجوار الفلسطيني!.. ويعرفون فوق ذلك، ان نسف ذلك القرار ليس وارداً في حسابات أحد. لا في حسابات إيران ولا في حسابات غيرها! حيث الكل «مشغول» و»مهموم» بقصة محاربة الإرهاب! وحيث «محور الممانعة» «مشغول« «ومهموم« بحرب الحياة أو الموت التي يخوضها دفاعاً عن بشار الأسد! وحيث إيران «مشغولة» و»مهمومة» بإدارة استثماراتها في الفتن التي أشعلها مشروعها الاستحواذي من اليمن الى سوريا مروراً بالعراق وبعض جواره! وحيث إسرائيل «مهمومة» و«مشغولة» بإحصاء أرباحها التكتيكية والاستراتيجية المتأتية من كل ما يجري في بلاد العرب والمسلمين!.. وحيث واشنطن في عالم آخر! وموسكو في عالمها الإحيائي الخاص بها!

وفي الخلاصة، فإن أحداً لا يريد أي حرب مثل تلك التي فتح كلام السيد نصرالله، الأخير باب احتمالاتها! لكن ذلك لا يعني، أنه «لن يرد» على مقتل سمير القنطار! أو ان إسرائيل ستوقف شن الغارات الجوية في الداخل السوري! .. فذلك في كل حال، لم يغيّر سابقاً قواعد اللعبة حتى في ظل الاشتباك النووي والسياسي والديبلوماسي والعقوباتي، بين أميركا وإيران.. فكيف الحال اليوم، وكل هؤلاء يتحركون تحت مظلة «السوخوي» وصواريخ «اس 400» الروسية!

حديث التوتير والانتقام والتصعيد يزيد قلق اللبنانيين، لكنه بالتأكيد لا يغيّب أسئلتهم الكبيرة، التي لا يريد «حزب الله» الإجابة عنها: ماذا يعني التنسيق المفتوح على مدار الساعة، بين روسيا وإسرائيل في سوريا؟ وماذا يعني تحديداً «التنسيق في شأن الإرهاب» الذي اتفق عليه نتنياهو وبوتين قبل أيام؟