تُواجه القوى والأحزاب المسيحية أزمةً حقيقية لا تجرؤ على الإعتراف بها. لكنّ المناقشات التي تشهدها الأروقة المقفَلة تؤكد وجودها. ومردّ ذلك باعتراف كثر في «8 و14 آذار» أنّ ما بلغته التطوّرات والحجم المتقدّم للفتنة السنّية – الشيعية التي تعيشها المنطقة تُلقي بظلالها على لبنان واللبنانيين، ويبدو فيها أنّ المسيحيين ومواقعهم ضحايا «حرب الفيلة». فما هي الدلائل؟
تعجّ الأوساط السياسية والحزبية المسيحية ومعها المنتديات الروحية بمناقشات حادة، يتغنّى فيها البعض بتجميد البلد الى حين من دون رئيس للجمهورية، ويَجلد فيها البعض الآخر نفسه عند الحديث عن سعيه المستحيل الى توحيد المواقف من الإستحقاق الرئاسي وغيره من الملفات المسيحيّة التي باتت على لائحة ضحايا التنافس السنّي – الشيعي الذي لا يزال في مرتبة ما قبل الفتنة المذهبية.
هذه الفتنة التي فجَّرت العراق وتُهدّد وحدة سوريا وتلقي بثقلها على اللبنانيين. كلّ ذلك وسط مخاوف كبيرة من تردّدات هذه الفتنة التي يمكن في حال انتقالها الى لبنان أن تأكل الأخضر واليابس، وسيدفع ثمنها المسيحيون قبل غيرهم مزيداً من التهميش.
لم تنفع أيّ مبررات يفزلكها البعض في إبعاد شبح الإنقسام المسيحي على خلفية الإنقسام الإسلامي مهما حاول البعض إعطاءه غلافات وطنية ما زالت رقيقة وهشة لا تُقنع أحداً. وهو أمرٌ لا يحتاج الى وقائع كثيرة، فقد تظهّرت هذه الحقائق في مناسبات عدة حرباً بين المسيحيين نيابة او بالواسطة عن قيادتَي الطرفين الإسلاميَين.
وعلى هذه الخلفيات، وصل الأمر بتوصيف مرجع ديني غير ماروني ما يجري بأنه صراع بين إثنين من العميان. وهو ما يعيد الى الأذهان المثل الشعبي الذي يقول «تزوّج إثنان من العميان فولد لهم ولد يمشي على البقبيشة».
ويضيف ساخراً: «ما هو مبرّر لجوء القيادات المسيحية الى خيارات انتحارية ذهبت بإنجازات كثيرة تحققت في بعض المناسبات التي التقت فيها القيادات المسيحية والكتل النيابية على موقف موحّد، فتجنّبت مزيداً من الخسائر في المواقع الإدارية والسياسية والوطنية؟».
ومن هذا المنطلق يقول المرجع الروحي: «ما هو سبب إهمال دعوات البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي إزاء ما تشهده الساحة اللبنانية، على رغم اعتراف جميع القيادات السنّية والشيعية بموقع بكركي الوطني الذي يرفعها فوق حركة ومواقف ومصالح الطوائف والمذاهب.
والأخطر انّ مَن سجّل هذه الإعترافات ينجح في كلّ مرة برمي الكرة لدى القيادات المسيحية التي توفّر غطاءً لكل ما يحصل أملاً في ما تحصده بأقرب وقت ممكن من أرباح موسمية وآنية من دون النظر في الخسائر التي تُهدّد دورها في المديَين المتوسط والبعيد؟».
ويسأل المرجع: «ما هي ردات الفعل على مواقف الراعي من الإستحقاق الرئاسي؟ فهو الذي سعى الى مصالحة مسيحية منذ أن نجح في ترتيب اوّل لقاء للأقطاب المسيحيين الأربعة في 19 حزيران 2013 على أمل التوافق على قانون جديد للإنتخاب يعيد للمسيحيين حجمهم التمثيلي الحقيقي والعادل، والإتفاق على رئيس يتسلّم مهماته من الرئيس السابق ميشال سليمان في 25 ايار الماضي؟»، مضيفاً: «منذ ذلك التاريخ يسجّل البطريرك الماروني الموقف تلوَ الموقف بلا جدوى، فليس هناك مَن يعيره أيّ أهمية سوى بعض التصريحات التي تكذّبها الوقائع ولم تعد تقتصر على الساحة المسيحية بمقدار ما باتت مهملة على المستوى الإسلامي والوطني. ولعلّ مواقفه الأخيرة من دور المجلس النيابي ومهماته ما يؤشر الى انتهاء دور كان لبكركي ولم يتجاوز بعد الإحترام النظري.
لكن ما هو ثابت أنّ المسيحيين باتوا من هواة الخيارات «المستحيلة» لئلّا يُقال «الإنتحارية» والدليل الأخير موقفهم من رفض التمديد قبل اربعة اسابيع على نهاية ولاية ممدَدة اساساً.
وهم عاجزون عن إجراء انتخابات نيابية ما لم يأذن بها حلفاؤهم، طالما أنهم هم مَن سيعدّون لهم اللوائح ويُحدّدون الحصص على رغم إدّعائهم التمثيل المسيحي والنسب التي يتمتعون بها على رغم اعترافهم سراً بأنّها وهمية وناجمة عن تحالفات يُخشى أن تقودهم الى حيث لا يجرؤ الآخرون.