ليس في النصوص والأعراف شيء اسمه تمديد تقني للمجلس النيابي. كل تمديد هو عمل سياسي مخالف للدستور ومغتصب ارادة الناخبين، ولو فرضته ظروف قاهرة. فكيف اذا جاء التمديد بالتواطؤ بين أركان التركيبة السياسية عبر اختراع ظروف قاهرة للهرب من اجراء انتخابات وتحمّل ثمنها السياسي وكلفتها المادية؟ وكيف اذا لعب أمراء الطوائف ورقة تعطيل النصاب في المجلس الدستوري، أو فرضت الاعتبارات السياسية والأمنية فتوى جعلت القرار مختلفا عن حيثيات الحكم؟
المبرر الذي يخفّف من قسوة التمديد هو انتاج قانون انتخاب جديد يتطلب اجراء الانتخابات على أساسه مهلة أسابيع أو أشهر لإكمال التحضيرات اللوجستية وسواها. وأي مبرر آخر يعني اقتراض وقت لتمديد العمر الممدد للمجلس بحجة ان الوقت ضيّق للاتفاق على قانون انتخاب، مع ان الوقت كان واسعا على مدى ثماني سنوات. والسؤال هو: هل وصلنا الى حتمية التمديد بشكل عشوائي أو بالصدفة والغلط أو تعذر ردم الخلافات بين المواقف للاتفاق على صيغة قانون أم عملنا بشكل منظم ومبرمج على مراكمة الظروف والمصاعب والخلافات وصراعات المصالح للوصول الى التمديد؟
الجواب البسيط يعني اننا فاشلون بنيّات حسنة أو على الرغم منّا. والجواب المركّب يعني اننا فاشلون قصدا بنيّات سيّئة واننا نرى الفشل قمة النجاح، حيث لا شيء ينجح كالفشل كما في أغنية للشاعر والمغني بوب ديلان الذي تسلم أخيرا جائزة نوبل للآداب.
ولا بأس في أن يملأ الوقت الضيّق توك شو نيابي تحت عنوان المناقشة العامة التي معظمها تمارين في العبث. فاللعب بين أركان السلطة لا يزال في اطار تسجيل الأهداف بنعومة من دون رغبة في تفجير الخلافات. والناس في حاجة الى تسلية.
ولا مجال لتسلية الناس على طريقة حكام الامبراطورية الرومانية الذين رأوا ان أفضل وسيلة لتسلية الناس وإلهائها عن مراقبة سلوكهم هي تقديم الخبز والنبيذ والمصارعة. فكل ما في اليد هو فصاحة الفشل. النواب الذين فشلوا في انتاج قانون انتخاب على مدى ٨ سنوات كافأوا أنفسهم بالتمديد مرتين ويستعدون للتمديد الثالث. والحكومات التي هي صورة مصغّرة للمجلس ليست قليلة في فصاحة الفشل. إذ هي فشلت، لا فقط في اعداد قانون انتخاب بل أيضا في تدبير الكهرباء والماء والنفايات. والكل يتبارى، وسط البؤس الاقتصادي والسياسي، بأفخم خطاب عن التمثيل الشعبي ومكافحة الفساد والهدر والسطو على المال العام ومحاسبة الفاسدين والسارقين.
والنتيجة لا قانون ولا انتخابات. وترتيب المحاصصة بين الذين يمنون علينا بأنهم ينظمون الدوران في المأزق السياسي والدستوري والوطني.