IMLebanon

سلام لـ”الجمهورية”: هذه قصة عزوفي عن الترشح

 

ما كان يدور من همس في الأروقة السياسية حول احتمال امتناع الرئيس تمام سلام عن خوض الانتخابات النيابية المقبلة تحوّل حقيقة معلنة مع إعلانه رسمياً امس عدم الترشح الى الانتخابات.. فما هي الدوافع الحقيقية لـ»اعتزاله» النيابة والذي سيساهم في خلطٍ اكبر للأوراق في بيروت؟

يأتي قرار سلام عشيّة حسم الرئيس سعد الحريري خياره بخوض الانتخابات من عدمه، علماً ان الحريري كان قد استفسر من سلام قبل نحو شهرين حول دقة ما تناهى الى مسامعه في صدد عزمه على العزوف، فأكد له صحة الأمر موضحاً انه يشعر بأن الوقت حان ليرتاح ويُخلي الساحة النيابية لخيارات جديدة.

 

وفي انتظار اتضاح وجهة الحريري، فالاكيد انّ خروج سلام الطوعي من المجلس النيابي يحمل اكثر من دلالة سياسية ورمزية خصوصا ان رئيس الحكومة الأسبق يمثّل احد البيوتات السياسية العريقة في التاريخ اللبناني عموما والبيروتي خصوصا، وبالتالي يدفع انكفاؤه الى طرح تساؤلات حول طبيعة البدائل المحتملة وما يمكن أن يؤول اليه مخاض العاصمة على مسافة أشهر قليلة من موعد الاستحقاق الانتخابي.

 

ويقول سلام لـ»الجمهورية» انه اتخذ الموقف المنسجم مع قناعاته والذي يحاكي توق الناس الى تغيير كبير وجدي، لافتاً الى ان شعار «كلن يعني كلن» ولو كان ليس دقيقا بالكامل الا انه يعكس حجم الغضب الشعبي والحاجة الى إنتاج طبقة سياسية جديدة تكون قادرة على مواكبة طموحات الشباب.

 

ويضيف سلام: لقد أصبح عمري 77 سنة والطاقة التي كنت املكها قبل عشر سنوات لم تعد هي ذاتها الآن، فإلى متى سأظل اطلب من الناس ان ينتخبوني؟ اظن ان الوقت حان حتى اجلس جانبا وأترك فرصة ودورا للشباب ولأصحاب الطاقات، وانا مقتنع بأنه كما دخلت المعترك السياسي بحماسة يجب أن أعرف متى أنسحب بهدوء، وفي رأيي هذا هو التوقيت المناسب.

 

ويعتبر سلام ان المجتمع البيروتي قادر على فرز بدائل مناسبة «وهناك كثر لديهم كفايات وقدرات الا انهم يحتاجون الى فرصة لتظهيرها».

 

ولكن أليست لديك خشية من ان تملأ اتجاهات متطرفة او متمكنة مادياً الفراغ على حساب أصحاب الافكار والمشاريع الإصلاحية؟

 

يلفت سلام الى ان كل قرار يمكن أن ينطوي على جزء من المخاطرة، «وفي النهاية لا ينبغي أن تكبلنا فرضيات مسبقة قد لا تصح، بل يجب أن نركن الى دينامية التغيير وارادة المواطنين من دون احكام مسبقة».

 

ولدى سؤاله: هل قرارك بالامتناع عن الترشح مرتبط بتحسّبك لاحتمال خسارة الانتخابات في العاصمة؟

 

ينفي سلام كلياً ان يكون موقفه نابعا من حسابات الربح والخسارة، مشددا على أنه ارتكز فقط على قناعة مبدئية بأن كل مَن أمضى ما بين 30 و40 سنة في تحمّل مسؤولية رسمية ضمن موقع نيابي او وزاري او اي منصب رسمي آخر، عليه ان يرتاح ويخلي الساحة لغيره «وبصراحة اكثر، عليه ان يراعي نبض الشعب الغاضب ويخفف ثقل دمه بعض الشيء، إذ نحن أعطينا كل ما لدينا ولم تعد عندنا إضافة نوعية».

 

ويوضح انه تشاور في قرار العزوف مع زوجته التي «تفهّمتني ودعمتني كما تفعل دائماً» ومع بعض الأصدقاء الذين «عارضوني لكنني تمسّكت برأيي».

 

وما هي نصيحتك للرئيس سعد الحريري؟

يشير سلام الى ان الحريري أدرى بما يجب أن يفعله انطلاقا من الوقائع التي يملكها والظروف المحيطة به، «الا ان امتناعه عن الترشح، في حال حصوله، سيكون مؤثّرا وسيترك فراغا كبيرا، إذ وعلى رغم ما مرّ به في مسيرته، لا يزال الأكثر تمثيلا في الوسط السني، ربما ليس بالحجم الذي كان عليه سابقا، لكن من الواضح انه يبقى الأقوى في طائفته».

 

ولدى سؤاله: هل عزوفك عن خوض الانتخابات يمهّد لخروجك بالكامل من الحياة السياسية والشأن العام؟

 

يجيب سلام: انا باق في مدينتي ومعها وبيتي كان وسيظل مفتوحا، ذلك أن مسؤولياتي ليست محصورة في موقع نيابي او رسمي، وانا لن ألغي نفسي سياسيا وسأتخذ المواقف المناسبة عند الحاجة والضرورة.

ويشدد سلام على انه يرفض بشدة التوريث السياسي «ولن يكون لي وريث كما حصل في بيوتات أخرى، وحتى عندما خضت معترك الشأن العام، كنت حريصا على أن اصنع تجربتي الخاصة وهويتي الشخصية وان أطورهما، من غير الاتكال على مكانة الوالد ورصيده المعروفين».

َ

وكان سلام​ قد اصدر امس بيانا أشار فيه الى عزوفه عن الترشح للانتخابات النيابية المقبلة «افساحاً في المجال أمام تغيير جدّي، من خلال إتاحة الفرصة لدم جديد، وفكر شاب ونظيف، يطمح إلى أهداف وطنية صافية ونقية، واحتراماً لمطالب الشعب الثائر والساعي إلى التغيير، والذي يستحق أن يُعطى فرصة ليتابع سيرة بناء الوطن بأفكار وأساليب وممارسات جديدة وطموحة».

 

واكد انه سيبقى في قلب مدينته ​بيروت​، وسيساهم في كل ما يؤدي إلى إعادة بناء الوطن، انطلاقاً من وثيقة الوفاق الوطني، ​اتفاق الطائف​ والدستور اللبناني​.