Site icon IMLebanon

تمام سلام والإنسحاب النبيل

 

ذات يوم من سبعينات الأحلام، أقنعتُ نفسي، أنني سأكون يوماً ما من أبطال كرة السلة اللبنانية كنعيم سمّان وسعيد كرم وسهيل سفر وجورج خيرالله والأخوين سابيلا. سألتُ أستاذ الرياضة سمير خوري، وكان يدخّن تحت السلّة، ويوزّع ملاحظاته علينا في حصّة الرياضة: كيف تعرف من سيكون له شأن في عالم كرة السلة؟

 

أجاب: عندما يقوم بالـ dribbling للمرة الأولى في حياته، ويركض بالكرة البرتقالية، من دون النظر إليها.

 

جواب خوري، جعلني أعيد ترتيب أولوياتي. لن أحترف كرة السلة بل سأكون مهندس طيران في المستقبل. وواظبت لسنوات على تغيير الأولويات إلى أن كان ما صرتُه.

 

بعدما لمع في خمسينات القرن الماضي وستيناته، كبطل في كرة المضرب، عاد سمير خوري في العقد الخامس من عمره، إلى ممارسة هذه اللعبة كمحترف، لا كمعتزل أو كمدرّب، وواجه في بطولة بيروت آخر السبعينات،على وجه التقريب، لاعباً في مقتبل العمر، وكان خوري متقدماً عليه بشوط ويكاد يسحقه في الشوط الثاني. فجأة انسحب. لا بسبب شد عضلي أو التواء كاحل. بل لأنه لم يشأ أن يكسر معنويات لاعب واعد، لتحقيق نصر عليه وقد احتكر البطولات لنحو عقدين. وما فعله خوري أتاح للاعب الشاب أن يفوز ببطولة بيروت ولبنان وأن يصبح واحداً من ألمع أبطال كرة المضرب في البطولات الإقليمية.

 

إنسحاب الأقوى في المواجهة الرياضية بطولة أخلاقية. والإنسحاب من مواجهة شبه محسومة في السياسة ايضاً بطولة. سمير خوري والد اللاعب كريم خوري، وجد سمير عرف متى ينسحب، ونائب بيروت (ورئيس الحكومة السابق) تمام سلام، إبن النائب (ورئيس الحكومة) صائب سلام وحفيد سليم علي سلام نائب بيروت في البرلمان العثماني، عرف هو الآخر متى يخرج قوياً. فسلام، الحفيد، كما ورد في كتاب عبد الستار اللاز، ينتمي إلى مدرسة “تعتبر السياسة عملاً نبيلاً له شروطه الأخلاقية كالنزاهة والشفافية والترفع ونظافة الكفّ التي تأتي قبل الموجبات الأخرى المتعلقة بالمعرفة والخبرة والكفاءة الإدارية”.

 

العام 1992 كان في إمكان تمام سلام أن يشغل مقعد والده من دون مشقة، لكنه آثر كزعيم سني، العزوف عن الترشيح إنسجاماً مع جوّ المقاطعة المسيحية الشاملة. وفعلها مرة أخرى في دورة الـ 2005 لأسباب مختلفة، وها هو يفعلها مرة ثالثة، لا رغبة في العودة إلى السراي، بدل النيابة، ومعروف أن سلام كان أكثر رؤساء الحكومات استعجالاً على مغادرة السراي، وهو الواصل في العام 2014 بإجماع نيابي قلّ نظيره.

 

أن يقرر تمام سلام ترك موقعه النيابي “لإتاحة الفرصة لدم جديد، وفكر شاب ونظيف، يطمح إلى أهداف وطنية صافية ونقية، واحتراماً لمطالب الشعب الثائر والساعي الى التغيير” فقراره هذا، ينمّ عن نبل وترفّع عن المناصب والمواقع.