لم يكن يجدر برئيس الحكومة تمام سلام القبول مرة ثالثة بتأجيل اجتماع الحكومة، لا سيما أنّ هذا التأجيل يصبّ في خانة التعطيل الذي بدأ يطبق عملياً على مرأى من «حزب الله» الذي يعلن التمسك بالحكومة، ويدعم العماد ميشال عون في تعطيل عملها، ممارساً كالعادة سياسة توظيف تحالفه مع التيار والاختباء وراءه، للاستفادة عند الحاجة والتوقيت المناسبَين، والانقضاض على الدستور والمؤسسات وتوظيفها في خدمة مشروعه.
يلاحظ في الفترة الأخيرة أنّ الرئيس نبيه بري على سبيل المثال الذي كان من أبرز الداعمين لسلام، رفضاً لتعطيل الحكومة قد انكفأ ومعه وزراؤه في الحكومة، كما يلاحظ أنّ النائب وليد جنبلاط انكفأ أيضاً ولم يفِ بالوعود التي قطعها في موضوع مطمر الناعمة، بما يفسر أيضاً، تراجعاً عن دعم رئيس الحكومة الذي تقول أوساطه إنّ خيار الاستقالة لا يزال موضوعاً على الطاولة، بانتظار جلاء موضوع الاتفاق على ايجاد مخرج وقتي لأزمة النفايات، كما لموضوع الاتفاق على آلية عمل لمجلس الوزراء.
في الجانب الآخر لا يبدو سلام مدعوماً بما فيه الكفاية من الفريق السياسي الذي رشحه لرئاسة الحكومة، وما حصل على الارض من تحريك لسرايا المقاومة في بيروت، ومن استهداف لمنزل سلام، يدلّ على تراخٍ مقصود، أضعف موقع رئاسة الحكومة، ووضع سلام منفرداً في مواجهة حزب الله، الذي يستمرّ بالتعاطي مع أزمة الحكومة على قاعدة أنه يريد استمرارها، لكي تكون في خدمة مصالحه ومصالح حلفائه، وأولهم العماد عون.
يستمرّ رئيس الحكومة بالتعاطي الهادئ مع ما يتعرّض له من استنزاف، ولكن على الرغم من ذلك، لن يكون بمقدوره الاستمرار شاهداً على أزمة تأكل من رصيده، وتحمّله من المسؤولية ما يعجز عن تحمّله، فمسؤولية مواجهة مشروع حزب الله، هي مسؤولية تيار المستقبل وقوى 14 آذار، وليست الأزمة اليوم أزمة منفصلة عما قام به الحزب منذ العام 2005،
حيث مارس سياسة التعطيل، مرة في الشارع ومرات من داخل المؤسسات، فالسابع من أيار واتفاق الدوحة المنكوث به، وأزمة الثلث المعطل والصهر المعطل لا تزال ماثلة في الأذهان، وكلها قدمت نماذج عن طريقة تعاطي الحزب مع سير العمل المؤسساتي، حيث كان يلجأ مباشرة وبالواسطة الى التعطيل الذي دفع اللبنانيون ثمنه أشهراً وسنوات، من أجل إرضاء هذا الفريق أو ذاك من الحلفاء، أو من أجل فرض الثلث المعطّل، وآخر هذه المآثر تمثَّل بتأخير تشكيل حكومة سلام أكثر من سنة.
ويبقى السؤال اليوم، هل تغيَّر مضمون التفاهم الذي على أساسه قرر الحزب الدخول في هذه الحكومة، وهل بات يعتبر أنّ حكومة تصريف الاعمال أفضل من الاستمرار بالحكومة القائمة، وماذا يخفي ذلك من أهداف ونوايا، هي على الأرجح متصلة بالرغبة بالانتهاء من الطائف، وفتح الباب امام تعديله، ما يعني فتح الباب امام صراع كبير على الاحجام بين الطوائف والمذاهب، وتعريض لبنان لشلل مديد، لن يسلم فيه الوضع الاقتصادي والنقدي وربما الامني من الاهتزاز.
ربما يكون الموعد المؤجَل غداً لانعقاد جلسة الحكومة، الموعد الأخير قبل حسم الخيارات، وأبرزها خيار الرئيس سلام بالاستمرار من عدمه، وسيكون تقديم استقالة سلام (لمَن سيقدّمها؟) مسماراً في نعش الطائف، كونه سيترك وراءه حكومة مستقيلة، بغياب رئيس الجمهورية، وغياب الاستشارات لتشكيل حكومة جديدة، كما سيترك وراءه نظاماً مأزوماً يلفظ آخر انفاسه، فهل هناك في الداخل أو الخارج مَن يريد أو مَن يحتمل نتائج وصول لبنان الى المربع الاخير قبل أن يدخل في الفوضى الشاملة.