Site icon IMLebanon

تماّم سلام… «لاعِب ورق» برتبة رئيس احتياط!

 

تمّام سلام لاعِب ورق بارع في منزله. أما في مجلس الوزراء، فلاعِب احترازي جاءَ في ذُروة الصراع السياسي، حيث الاشتباك ينتج من «تزفيت زاروب». مع كل يوم إضافي في عمر الحكومة، يزداد ابن صائب سلام تردداً وضعفاً. يفضّل أن يكون خائفاً يعزله جدار من التشاؤم

في إحدى جلسات الحكومة، «انفَجَرَ» الرئيس تمّام سلام في وجه وزير الخارجية جبران باسيل، قائلاً: «لما بحكي أنا، إنت بتسكُت». يومَها ساد الذهول وجوه الوزراء جميعاً، بعدما «ضوّى الأحمر» عند الرئيس الذي اعتقد الجميع أن ما من شيء يُمكن أن يُخرجه عن طوره. وفي إحدى جلسات مجلس الوزراء التي كان يُفترض أن تُناقش ملف «أمن الدولة» خاطب الوزراء بعد خروج المصوّرين: «وصلت معي لهون»، مشيراً إلى أنفه! «ليس من هواة الصدامات»، يقول عارفو «تمام بيك» عنه. بيدَ أن حصارَه في الزاوية لا يُبقي أمامه إلا التّلويح بإصبعه في وجه الجميع، مع علمه بأنه ليس «الحاكم بأمره»، بل «حكَم» بين 24 وزيراً، هم في حقيقة الأمر، 24 رئيساً للجمهورية.

الصيغة «التصويتية» التي أُرسيَت لضمان عدم تعطيل المراسيم ومشاريع القوانين، واتباع آلية الموافقة بالإجماع، جعلت كل وزير بمثابة صاحب حق في النقض في ظل الفراغ الرئاسي، حيث إن أي ملف يحتاج إلى توقيع الـ 24 وزيراً أو اتخاذ القرار بالأكثرية بحسب أهمية الملف. «المُساكنة» هي أفضل وصف لعلاقته مع مكوّنات حكومته: «علاقة تبعية لا يُمكن تجاوزها» مع تيار المستقبل، و«مناكفة ونزاع» مع التيار الوطني الحر، و«تعاون تحكمه التفاهمات بالمفرق لا بالجملة» مع حزب الله، و«علاقة شراكة في النظام» مع الرئيس نبيه برّي. أما النائب وليد جنبلاط، فيتعامل مع «تمام بيك» كـ«واجهة تمثّل تيار المستقبل».

الرئيس الذي توتّره تسريبة وزير أو رسالة صحافية من القصر الحكومي إلى حد الطّلب من معاونيه إطفاء «اللينكات» ليس ديكتاتورياً بطبعه. لكنّه بحسب عارفيه، «درّب نفسه على كتمان الأسرار وعدم الخوض في لزوم ما لا يلزم»، لذلك باتت التصريحات التي يُطلقها وزراؤه أثناء دخولهم جلسات الحكومة وخروجهم منها «مصدر قلقه وغضبه، وتدفعه إلى رفع صوته». فيما يشكو «الفريق الآخر» أن صوته لا يعلو «إلا حين يُخاطبه وزراء التيار الوطني الحر والكتائب» (قبل استقالتهم). عندما فاتحه الوزير الآن حكيم بموضوع جهاز أمن الدولة، في إحدى الجلسات، ردّ بنبرة عالية: «يلّي بدو يفلّ يفلّ، أنا ما بقا قادر اتحمّل حدا». وحين حاول الوزير باسيل الحديث، صرخ فيه محاولاً إسكاته، ما دفع وزير الخارجية إلى الرد: «هيك ما بيمشي الحال معنا». أكبر معاناته داخل الحكومة تُختصر في «تعاطي العونيين معه» من جهة، و«غلاظة الكتائبيين» من جهة أخرى. يُشاجره باسيل عند كل كلمة، ويزعجه الياس بو صعب بازداوجية مواقفه. أما ممثلو بكفيا «فكانوا يضيعون وقته في الجلسات، مطالبين بالخروج كل دقيقة لتنسيق الموقف مع القيادة العليا في بكفيا حتى لو كان الملف عالقاً عند نقل حجر من مكان إلى آخر».

يرفض وزراء محسوبون على رئيس الحكومة وصفه بأنه «ضعيف»، لأن في ذلك «تقزيماً لحقيقة المشكلة». الصحيح أن «هناك طرفاً في الحكومة يعوق عمله»، وطرفاً آخر يمتلك من «الدالّة» على «البيك» إلى حدّ الإيحاء له بجدول الأعمال. والأنكى أنه أتى إلى منصبه في ذروة صراع سياسي «يخلق إشكالات حادة حتى على تزفيت زاروب». بالنسبة إلى خصومه «هو يُدرك جيداً أن للانتماء الحزبي، ولو المقنّع، ثمناً عليه أن يدفعه». أما أصدقاؤه فيرونه «أقرب إلى طائر جريح بسبب الهجوم الذي تعرّض له».

خصومه، تحديداً من التيار الوطني الحر يتهمونه بأنه «يتقصّدهم». يروي أحد العونيين كيف أوعز سلام مرّة إلى أحد مستشاريه (شادي كرم) تسجيل اعتراض رئيس الحكومة على إعطاء وزارة التربية مساعدة بقيمة 300 مليون دولار. وفي مؤتمر عقده معهد «كارنيغي» في سان فرانسيسكو، قال كرم إن الحكومة تفضّل تحويل نصف المبلغ إلى وزارة الشؤون الاجتماعية، وأن لا تُعطى الأموال للوزارات مباشرةً، بل عبر المنظمات الدولية. ويقول آخر إن «سلام لا يتحرك إلا بإيعاز من الرئيس فؤاد السنيورة الذي يطلع على جدول أعمال أي جلسة قبل توزيعه على الوزراء. فيضع البند الذي يريده ويشطب آخر». يزداد تمام سلام «تردداً وضعفاً مع كل يوم إضافي في عمر الحكومة» بحسب أحد الوزراء. فلا تراه قادراً على اتخاذ موقف.

مع أنه سليل بيت سياسي عريق، يفتقد سلام كل المقومات التي يرثها كل ابن زعيم «قبضاي». باستثناء «البَكوية» حصَد سلام معظم ألقابه بالصدفة، من نائب إلى وزير ثم… رئيس حكومة. لم يكُن يوماً «الرقم 1» حتى بالنسبة إلى والده صائب سلام، كما يقول العارفون. بل كان دوماً خياراً «احترازياً» في زمن الخيارات الصعبة. يدير جلسات حكومته كما أدار حياته السياسية خارجها. نادراً ما يبدأ بمشروع ويسير به حتى النهاية. خلف والده رئيساً لمجلس الأمناء في المقاصد، ثم ترك المؤسسة التي ارتبط بها 18 عاماً. انكفأ عن الحياة النيابية عام 2000 مع مجيء الرئيس الحريري الأب، وعاد إليها عام 2009 على لائحة ابنه سعد. تورّط في العمل المسلّح عام 1975، إذ نظّم نوعاً من الميليشيا من المحازبين والأنصار «دفاعاً عن النّفس» ثم عاد وحوّل عمله إلى نشاط اجتماعي. هكذا هو الرئيس سلام في الجلسات، يُصعّد ثم لا يلبث أن يهدأ ويعود عن موقف اتخذه.

حين «ركِب» رئيساً للحكومة، بتغطية مستقبلية، لم يكُن يتصوّر، في أسوأ كوابيسه، أن تنفجر كل القضايا الكبيرة في وجهه. منذ تسميته، دخل في نفق النزاعات المتواصلة، بدءاً من «المرجحة» في تشكيل حكومته وليس انتهاءً بانفجار الغضب السعودي. حاول، منذ البداية، أن يكون على مسافة واحدة من الجميع تفادياً لأي اشتباك. ولكن هيهات! فهو رئيس لحكومة بلا دولة، وبلا تفويض شعبي، ولا خطّة وطنية. يُحاول جاهداً ملاعبة العواصف بالانحناء أمام الوقائع التي تفرضها الظروف، من آلية العمل الحكومي إلى التعيينات الأمنية، مروراً بانفجار أزمة النفايات والهجمة السعودية والخليجية على موقف لبنان الرسمي في المحافل الإقليمية والدولية. يذكر أحد الوزراء المقربين منه كيف حوصر الرجل، الذي لطالما مثّل الوجه المقبول للسعودية في لبنان لفترة، بسبب عزلة فرضتها عليه السعودية ودول عربية حالت دون منحه «الفيزا» لزيارة أي دولة، علماً أنه «لم يتوقف يومياً عن طلَب الزيارات». حصل ذلك قبل أن تعود المملكة لتعيد فتح أبوابها في وجهه.

«التجربة رهيبة»، يقول العارفون. فـ«الرجل يُراقب عاجزاً انهيار الدولة، فيما يضيع صوته وسط صياح وزرائه الذين يُغنّي كل منهم على ليلاه». لوّح بالاستقالة أكثر من مرة، وشرع في كتابتها مرتين: الأولى قبل التوصّل إلى «حلّ» أزمة ملف النفايات، حين «وصلت المُماحكة بينه وبين وزير المال علي حسن خليل حد نقاش الفاصلة والنقطة»، ولم يُسعفه يومها إلا «تدخل وزير حزب الله حسين الحاج حسن». والثانية «حين أصرّ البعض على طرح بند يتعلق بجهاز أمن الدولة من خارج جدول الأعمال». يومها صرخ في وجه الوزراء: «ما بقا حدا يفتعلي مشاكل. كل واحد فيكن عم بيدوّر على مصلحتو، أما أنا فأدفع من رصيدي المحلي والخارجي».

مع إدراكه أن عمر حكومته لم يعد طويلاً جداً، وفي انتظار انتهائه، يعلم سلام أن «ليس لها إلا أن تكون شاهدة على الأحداث، لا قادرة على إحداث تغيير». وعليه، بحسب أحد الوزراء المناوئين، ينظر الرجل إلى ساعته منتظراً انتهاء «دوام الحكومة» ليُمارس هوايته المفضّلة في «لعب الورق». فهو لا يفوّت يوماً دون أن يجتمع حول طاولة مع أصحابه المقرّبين، أبرزهم سليم دياب (خال زوجته لمى)، وصديق عمره خالد سلام.

في منزله، يُعَدّ سلام لاعب ورق بارعاً. أما في الحكومة فهو لاعب احتياط. أقرب نموذج له هو رئيس الحكومة الراحل شفيق الوزان. الأخير حكمه الرئيس أمين الجميّل مطلع الثمانينيات. أما سلام فيحكمه 24 رئيساً للجمهورية ورئيسان سابقان للحكومة هما سعد الحريري وفؤاد السنيورة. حتى أن مسؤولين رسميين يقولون إنهم لا يعرفون الاسم الحقيقي لرئيس الحكومة: تمام سلام أو سعد الحريري أو نادر الحريري أو فؤاد السنيورة أو نبيه بري أو وليد جنبلاط أو… سهيل البوجي.

بري يعاقب سلام: إلى نواكشوط من دون خليل

يوم كان الخلاف على الملف النفطي بين الرئيس نبيه برّي ورئيس تكتّل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون في ذروته، رفض رئيس الحكومة تمام سلام تحديد جلسة خاصة بمجلس الوزراء لنقاش ملفّ النفط، مبرراً لعين التينة رفضه بالقول «حلّوها سياسياً بالأول». وحين فُكت عقدة بري ـــ عون، ظل سلام يهرب من عقد الجلسة، على الرغم من أن الوزيرين علي حسن خليل وجبران باسيل تحدثا إليه أكثر من مرة بالمراسيم التطبيقية، وطلبا منه دعوة اللجنة الوزارية لبحثها. لكن سلام بقي «يُطنّش». أما السبب، فالبحث عنه يبدأ عند الرئيس السنيورة. ربما لا يريد تيار المستقبل تمرير الملف إلا في حكومة يرأسها سعد الحريري. لكنّ برّي الذي يعتبر ملفّ النفط متقدّماً على ما عداه من الملفّات في البلاد، لا ينام على ضيم. وبحسب المعلومات، فإن رئيس المجلس النيابي سيحرم رئيس الحكومة مرافقةَ وزير المال له خلال زيارته العاصمة الموريتانية نواكشوط، للمشاركة في القمة العربية الأسبوع المقبل.