لا يتردّد عددٌ من الديبلوماسيّين الغربيّين في الحديث عن الحاجة الى حماية حكومة «المصلحة الوطنية» بأيّ ثمن. فهي آخر المؤسسات الدستورية العاملة في البلاد. ولا يخفون الحديث عن ميزة الصبر التي يتمتع بها رئيس الحكومة تمام سلام الأمر الذي جعله بين شاقوفَين محليَّين يتّكئان على محورَين إقليميَّين ودَوليَّين في مرحلة هي الأخطر في غياب رئيسٍ للجمهورية. فما هي عناصر المعادَلة؟
يُدرك معظم الديبلوماسيين العاملين في لبنان حجم الضغوط التي يتعرض لها لبنان منذ اندلاع الأزمة السورية وخصوصاً عندما تورّطت فئات لبنانية في الحرب السورية، فكاد أن يكون مسرحاً للمواجهات لولا الرعاية الدولية التي أبعدت شبح الفتنة عن أراضيه، فكانت سلسلة مبادرات عكست مواقف متناقضة تماماً لأطراف الحرب وقادتها في سوريا.
فالجميع من دبيلوماسيين عرب وغربيين يدركون أنّ المتورطين في الحرب السورية هم انفسهم ممَّن شكلوا غطاء لحماية الساحة اللبنانية قدر الإمكان وجنّبوا البلاد مطبات كثيرة بالحدّ الأدنى من التضامن والحوار الداخلي الذي أبعَد نيران ما يجري في العراق وسوريا واليمن من زواريب لبنان.
وعزّز هذا الشعور استمرار الحدّ الأدنى من الهدوء على رغم ما شكله حجم ودور «حزب الله» في سوريا وانغماسه فيها على مساحة الأزمة التي امتدت من شمالها الى جنوبها وعمق العاصمة. وهو أمر لم ينعكس كثيراً على دور حكومة «المصلحة الوطنية» التي وُلِدت من رحم الأزمة في مرحلة كانت تستعدّ فيها البلاد علناً للشغور الرئاسي.
فقد كان هناك مَن يدرك أنّ المهل الدستورية التي حدّدت آلية انتخاب الرئيس لن تكون كافية لإمرار الإستحقاق قبل أن تتشعب الأمور وتزداد تعقيداً، فبات بعيد المنال لا يحدّه موعد أو إستحقاق خارجي او إقليمي شاء مَن شاء وأبى مَن أبى.
وعلى هذه الخلفيات، يعاني رئيس الحكومة في إدارته لشؤونها من أصعب المحطات والإستحقاقات السياسية والأمنية غير الخافية على أحد.
فمنذ تشكيلها منتصفَ شباط العام الماضي عَبَرت حكومته مطباتٍ كثيرة تجاوزت بعضها بصفقات داخلية لا تخلو من رعاية خارجية رسمت سقوفاً للمواقف. فتجاوزت دورَ «حزب الله» في سوريا وأنجزت بعض الملفات الأساسية أمنيّة منها وسياسية، وتجمّدت امام أخرى مستعصية الى أن بلغت ما بلغته في الأسابيع القليلة الماضية من شلل على خلفية الخلاف الكبير على التعيينات العسكرية والأمنية.
ومن هذا المنطلق يشعر رئيس الحكومة أنه بين شاقوفين كبيرين، يحاول العبور بالمرحلة بأقلّ الخسائر الممكنة حتى بات هناك مَن يعتقد أنّ فوق الرعاية الدولية للحدّ الأدنى من الإستقرار رعاية إلهية توفّر ما يلاقيها على الصعيد الداخلي وهو ما انعكس تعطيلاً إستباقياً لألغام كثيرة يمكن أن تفجر البلد فتظهر وكأنّها فقاقيع صابون أو زوبعة في فنجان.
بالأمس القريب جمّد سلام العمل الحكومي بمبادرة منه خوفاً على الحدّ الأدنى من التضامن الحكومي الهش، بسبب ما يتعرّض له من ضغوط من فئة يتقدّمها وزيرا «التيار الوطني الحر» وحلفاؤه من «حزب الله» الذين يشترطون البحث في تعيين بديل من قائد الجيش في إطار ما سُمّي ملف التعيينات العسكرية والأمنية قبل البحث في أيّ شأن آخر، على رغم أنّ جزءاً من هذا الملف تجاوزه الزمن منذ أن صدرت قرارات التمديد والمناقلات على مستوى الوحدات الشاغرة في قوى الأمن الداخلي، فسقطت إحدى ركائز المعادلة التي سعوا اليها بالربط بين الموقعين في قوى الأمن والجيش معاً.
وعلى رغم ما تعكسه الصورة من هذا الجانب، فإنّ سلام يتعرض لضغوط من الجانب الآخر تدعو الى استئناف جلسات الحكومة تحت شعار حماية صلاحيات رئيس الحكومة ومنع حصول أعراف تعوق الإحتفاظ بها مكسباً منذ الطائف الى اليوم وليكن ما يكون.
وبرأيهم فإنّ الميثاقية التي تحمي التركيبة الحكومية متوافرة مسيحياً وشيعياً ربطاً بمواقف الوزراء المسيحيين الآخرين من كتلتي الكتائب والرئيس ميشال سليمان ومعهم المستقلون ووزراء الرئيس نبيه برّي والنائب وليد جنبلاط.
وفي ظلّ هذه القراءة بوجهَيها السلبي والإيجابي، يتمسّك رئيس الحكومة بوسطيَّته متكِئاً على قبوله في الموقف بين شاقوفين ليبرهن من خلال ذلك على طول صبر وأناة ليست نتائج نهجه الحواري فحسب، بل هناك مَن يقدّر هذا الموقف في الداخل بعد الخارج، الى أن تأتي ساعة الفصل بين هذا الخيار أو ذاك من دون أيّ أفق محدَّد، ما يعطي سمة الإنتظار الأولوية في هذه المرحلة بالذات.