IMLebanon

تمام سلام…إبق مكانك

ذاك البيت الذي ترعرعت فيه زهرة القرنفل، ولطالما زينت صدر صائب سلام حيث اللبنان الواحد لا اللبنانان، وحيث اللاغالب واللامغلوب. الآن، ونحن الحجارة على رقعة الشطرنج نتراشق بحجارة النار. نتحاور بحجارة النار…

الذين زاروا الفاتيكان اخيرا تناهت اليهم اسئلة هائلة، ملاحظات هائلة، توقعات هائلة: هل يمكن للبنان الاحتفال بالمئوية الاولى لاعلان دولة لبنان الكبير؟ لم تعد تلك المصطلحات البهلوانية، ومنها ما قاله لنا سعيد عقل «لبنان ضيف شرف على الازل» تصلح لجمهورية حوّلها السياسيون الى…مزبلة.

مزبلة سياسية مثلما هي مزبلة دستورية ومزبلة مذهبية و تبحث عن مطمر ما في التاريخ!

تمام سلام لا تغادر ذلك البيت لان ثمة مجموعة من الشبان رمت بأكياس القمامة امامه، وهتفت ضدك. انت الذي تعلم الى اين اخذت الطبقة السياسية لغة الشارع، ولعبة الشارع، وكانت، ايام زمان، لغة الايدي العارية ولعبة الصرخات العارية…

هذا البيت ليس للسنّة فقط، هو بيت الشيعة والمسيحيين و الدروز ايضا، ودون ان يعي ذلك احد النواب الذي ما انفك ينفخ في ريح جهنم. اين الاستثنائي، ونحن في هذه الادغال، حين ينتهك البعض حرمة المكان الذي لم يكن مقفلا، حتى في الايام التي نستذكرها جيدا، وكانت ايام صاحب الجلالة تحت عباءة صاحب الدولة…

بضعة شبان ساخطين من الحراك المدني اعترضوا الوزير «الآدمي» رشيد درباس حملت النائب اياه، وبما تتفوه به الافاعي عادة، على انتهاك حتى حرمة الله والقول ان ما حدث هو استهداف للطائفة السنية التي يتم اختزالها هكذا بثقافة الزقاق، وهي التي اكبر بكثير من ان تكون طائفة.

السنّة اهل الامة، كيف لاكبر مجموعة دينية في العالم، وعدد افرادها يتعدى المليار نسمة ان تكون طائفة؟

الاكثر من ذلك، وتكون مستهدفة. بماذا، اذاً، يختلف النائب عن زميل بلجيكي له، ومن اليمين النازي، رفع القرآن داخل البرلمان، وقال«هذا الكتاب هو مصدر كل الشرور». اثنان، احدهما في الشرق وثانيهما في الغرب، و ينفخان في رأس الشيطان…

ما قاله النائب اهانة لتمام سلام، بالبيت المشرع الابواب و بالقلب المشرع الابواب. كيف يمكن لرجل راق الى هذا الحد، شفاف الى هذا الحد، ديناميكي الى هذا الحد، ان يتفاعل مع من يريد ان يحرق بيروت، كما نيرون، وهو يعزف على القيثارة. صاحبنا يعزف على…الاركيلة؟

في ساعة غضب لوّح تمام بك بمغادرة المكان لان المنزل الذي يختزل بزهرة القرنفل لا يستحق ان يرمى بأكياس القمامة، هو الذي ظل بعيدا عن ذلك الكارتل، العابر للطوائف وللمذاهب، والذي يحكم كل مفاصل الجمهورية او الذي وضعنا امام هذه المعادلة: إما سوكلين او…الطاعون.

قال الوزير الحاج حسن ما قاله في تمام سلام. هذا الرجل عثرنا عليه في علبة اللآلىء، نعلم كيف يفكر، ونعلم الى اين تذهب خفقات قلبه، وهو الذي زغردت له كل نساء المحلة، ومن كل الطوائف، لانه دخل الى السرايا دخول زهرة القرنفل، لا دخول القيصر ولا دخول المفوض السامي ولا دخول من تلطخت يداه، وقدماه، بكل اشكال الصفقات وبكل اشكال الفضائح…

تمام سلام، ابق حيث انت. في المنزل كما في السرايا، لا لتكون شاهدا، شاهدا اخيرا، على اللحظة الاخيرة من عمر الجمهورية، ونكاد نقول جمهورية فيفي عبده لكونها جمهورية هز الرؤوس وليس فقط جمهورية هز البطون. ان تكون الضمير حين نكون في غابة الغرائز، وغابة المصالح، وحيث جبال القمامة عزّتنا حتى من عظامنا، واظهرتنا للملأ مغارة وتدعى دولة…

ثمة من يستهول، كاذبا ومخادعا، الدعوة الى المؤتمر التأسيسي. الآن، ونحن على مسافة خطوات، خطوات ضائعة، من الذكرى المئوية لاعلان الجنرال غورو، ومن على درج قصر الصنوبر، نبدو بأمس الحاجة الى المؤتمر التأسيسي لاقامة الجمهورية الاولى لا الجمهورية الثالثة. المشكلة ليست في الاشكالية الدستورية، ولا في توزيع المقاعد، وانما في اضمحلال البنية الفلسفية والاخلاقية للدولة اذا كنا نذكر عبارة بنيامين فرنكلين «لا اقول بأن نقتفي اثر الملائكة وانما على الاقل لا نقتفي اثر الابالسة».

مؤتمر تأسيسي لاعادة بناء الضمير العام. قال لنا فاليري جيسكار- ديستان«لقد حولنا الضمير السياسي الى مؤسسة». ماذا فعلنا به نحن. حولناه الى اكياس من القمامة على ارصفة المدينة التي قالت لنا داليدا «كنت اتمنى لو امشي حافية على ارصفتها و…اغني».

تمام سلام، رهاننا على زهرة القرنفل لا على من يدافع عنك، او يدعي الدفاع عنك، بحجارة جهنم!!