أمام منزل الرئيس تمّام سلام، قال أحد المعتصمين لرفيقه: هذا الرجل آدمي. لا يمكننا وضعه في سلّة الحراميّة. لكنّنا في النهاية مضطرّون إلى مطالبته بالاستقالة. ربّما نظلمه. ونعتقد أنّه هو نفسه منزعج من الطبقة السياسية التي تحوِّل حكومتَه «دكّانة»، وهو يتمنّى لو يتاح له، في لحظة معيّنة، أن «يسَكِّر الدكّانة»!
ليس في الأوساط السياسية أو الشعبية من يتَّهم الرئيس سلام بارتكابات، على غرار الاتهامات بالفساد التي يتبادلها الكثيرون من الطبقة السياسية، والتي تتكشّف صحّتها، كلّياً أو جزئياً. فلا غبار على نظافة الرجل، ومسؤوليته – هو ووزير البيئة المحسوب عليه – هي في مجرّد كونه على رأس الحكومة.
القريبون من سلام يقولون: حَظُّه أنّه جاء إلى السراي في ظرفٍ يجعله رئيساً لحكومة تتخبّط في مكانها. وفي أيّ حال، هو صارَح شباب الحراك المدني بالقول: «أنا أيضاً مشكلتي هي مع الطبقة السياسية التي تطالبون بإسقاطها». فسلام «يعاني» مع هذه الطبقة تحت سقف مجلس الوزراء، ويلمس لمس اليد كيف تؤدّي مناحراتُها إلى الخراب.
وفي الفترة الأخيرة، وصَل به القرَف مراراً إلى مرحلة يبقُّ فيها البحصة، ويرمي كلّ شيء في وجه الجميع ويغادر على طريقة «عليَّ وعلى أعدائي يا ربّ». وبدا له هذا الخيار أحياناً، وهو الآتي إلى نادي رؤساء الحكومات للمرة الأولى، أفضلَ من المراوحة والفشل. ولذلك، هو قال قبل في الجلسة الأخيرة للحوار: «ما فيني كفّي هيك».
لقد أعطى سلام مواعيد كثيرة، بينه وبين نفسه أو القريبين منه، لمغادرة السلطة في شكل بطولي. وانتظر البعض أن يفاجئ الجميع ويستقيل. لكنّ المطّلعين جيّداً كانوا دائماً على ثقة: هو لن يستقيل مهما حصل، وأيّاً كانت الظروف. إنّه في موقع اضطراري لا يمكنه الخروج منه… على الأقلّ حتى انتخاب رئيس للجمهورية.
ما هي موانع سلام من الاستقالة… حتى إشعارٍ آخر؟
1- إنّه يشعر بمخاطر هذه الخطوة، فيما الحكومة تتولّى مهامّ رئاسة الجمهورية بالوكالة. فاستقالتُها تخلق تعقيدات دستورية وسياسية لا يمكن حصرها أو مواجهتها.
2- إنّ التوازن السياسي الذي تقوم عليه الحكومة يعطي تيار «المستقبل» والمحور الذي يمثِّله حجماً مهمّاً ومواقع حيوية. وليس من الحكمة تعريض هذا التوازن للخطر، فيما تطرَأ تغيُّرات مهمّة على توازن القوى في سوريا.
3- إنّ مِن غير الممكن الرضوخ لضغط شعبي لا يدرك سلام الخلفيات التي تُحرِّكه، والتي قد تكون سياسية وذات غايات معيّنة.
4- إنّ القوى الدولية والإقليمية التي رعَت ولادة الحكومة، لإدارة الأزمة في لبنان حتى تبلوُر الواقع الإقليمي، تقف بالمرصاد ضدّ أيّ تفكير في إسقاط هذه الحكومة. ويحرص السفير الأميركي ديفيد هيل وسائر زملائه الغربيين على إبلاغ سلام دائماً دعمَ صموده على رأس حكومته، أيّاً تكن الضغوط والصعوبات التي تعترضه.
لذلك، يدرك سلام أنّ قدَرَهُ الاستمرار في مهامّه، على رغم بلوغه درجة عالية من القرف السياسي. ويزداد منسوب القرف مع ارتفاع منسوب المناحرات التي تشلّ عملَ الحكومة وسائر المؤسسات، والتي لا تتعدّى المصالح الخاصة أو الفئوية: من الصراع على رئاسة الجمهورية، إلى فضائح النفايات والكهرباء وسوى ذلك.
وبعد عودته من نيويورك، بدا سلام أكثرَ شعوراً بالألم، لأنّه لمس الاستخفافَ المهين الذي يتعاطى به المجتمع الدولي مع لبنان وأزماته، ولا سيّما ملف اللاجئين، فيما السياسيون يضَيّعون فرَص التسوية، إمّا عمداً وإمّا من دون دراية منهم، ولا يقيمون وزناً للمخاطر الآتية عبر الحدود.
في الجلسة الصاخبة، مطلع تموز الفائت، صاحَ الرئيس سلام بالوزير جبران باسيل: «لمّا أنا بحكي، إنتَ بتسكت». ولكن، على أرض الواقع، يبدو سلام «الصامت الأكبر» و»الصامد الأكبر» إلى أن تأتي «كلمة السرّ» بالتغيير… طبعاً تغيير الحكومة، أي «تسكير الدكّانة». وأمّا تغيير الطبقة السياسية فذلك يبدو مستحيلاً!