IMLebanon

العبث بأمن لبنان حاضر في أجندات كثيرين؟!

التفجير الذي استهدف غروب أول من أمس، «بنك لبنان والمهجر»، في منطقة «الكونكورد»، شكل صدمة بكل ما لهذه الكلمة من معنى، ورسالة في أكثر من اتجاه..

قد يكون من السابق لأوانه الحكم النهائي.. والاشارة الى «منفذ» أو من يقف وراء تنفيذ هذه العملية، وقد سبق لوزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق ان أعلن، وعلى الملأ، ان الأجهزة الأمنية تمكنت من تعطيل عدد من الخلايا والشبكات الارهابية النائمة.. لكن ما لا شك فيه، ان ما بعد «تفجير الكونكورد»، ليس كما قبله، ولبنان يعيش مرحلة غير مستقرة، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، والأبواب مفتوحة على العديد من الاحتمالات..

مجرد استهداف القطاع المصرفي، كان كافيا لدى البعض للاشارة بأصبع الاتهام الى «حزب الله» على خلفية صراعه مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وتمسكه بتنفيذ القوانين الاميركية الخاصة بمكافحة الارهاب واعلانه عن اقفال 100 حساب مرتبط بـ»حزب الله»..

لا أحد ينفي ان «حزب الله»، يمر بمرحلة دقيقة غير مسبوقة.. وحاكم مصرف لبنان لا يجد سبيلاً إلا تنفيذ هذه القوانين، غامزاً من قناة الحزب على نحو لافت بقوله: «اننا لا نريد أموالاً غير مشروعة في نظامنا..» لكن ان تصل الأمور الى حد توجيه الرسائل بالتفجيرات فمسألة مختلفة..

السؤال الذي لا بد منه، ما هي مصلحة «حزب الله» في هذا، وهل هناك من يريد توريط الحزب في مثل هكذا عملية يجمع الكل على وصفها بأنها «الأخطر»، وهل هناك من «طابور خامس»، ولبنان من أكثر البلدان انفتاحاً لاستقبال هذه «الطوابير»؟! أسئلة وأسئلة، يبقى الجواب عنها بين أيدي المعنيين، وما تخلص اليه التحقيقات الأمنية لـ»شعبة المعلومات» التي كلفت رسمياً..

وإذا كانت «العناية الالهية» وفرت على لبنان سقوط ضحايا، فإن ما حمله تفجير الكونكورد، لا يمكن العبور من فوقه وكأنه تفجير عادي او قراءته على نحو يثير في الداخل اللبناني المزيد من الانقسامات.. ومنذ اللحظة الأولى للاعلان عن التفجير، تبادلت مواقع «التواصل الاجتماعي» آراء صبت في غالبيتها الساحقة في خانة اتهام «حزب الله» خصوصاً وان المصرف المؤكد هو من أكثر المصارف تشدداً في تطبيق قانون العقوبات على الحزب البعض صدّق، البعض اجتهد، والبعض نبه من خطورة الوصول الى الأحكام النهائية من قبل خلوص التحقيقات.

ليس من شك في ان للعملية تداعياتها.. وقد أحسن مدير «بنك لبنان والمهجر» سعد الأزهري، الذي حضر الى ساحة الجريمة، وبقي متماسكاً حذراً من توجيه أي اتهامات من قبل جلاء التحقيقات.. وقد واكبت «المنار» الوقائع على الارض بشكل موضوعي، ومن الطبيعي ان يصدر «حزب الله» استنكاره للتفجير، وهو يعرف التداعيات وخطورتها.. حيث ما لا شك فيه ان الانفجار يستهدف في جملة ما يستهدف القطاع المصرفي في لبنان، وهو القطاع الوحيد، الذي لايزال «واقفاً على قدميه»، ويشكل العمود الفقري للاقتصاد اللبناني، خصوصاً وان عديدين، يضعون في الاحتمالات المستقبلية ان يكون تفجير الكونكورد، بداية لسلسلة من العمليات، لن تكون نتيجتها في مصلحة لبنان..

صحيح ان «حزب الله» رفع من وتيرة نقمته على المصارف اللبنانية التي استجابت لطلب تنفيذ قانون العقوبات الاميركي، وقد كانت سقطة غير مبررة، لأنها سهلت عبور الذين يقفون وراء التفجير الى حيث أرادوا على الرغم من الأضرار الخفيفة، إلا ان العقدة ليست في وقوع اضرار وضحايا بقدر ما هي في العملية نفسها.. خصوصاً أكثر «ان معركتنا مع الارهاب والتفجير وعمليات القتل والاغتيال والرسائل المباشرة وغير المباشرة طويلة وهي معركتنا نحن، وسنكمل.. وجميعنا سنكون في مواجهته، ولبنان سينتصر في النهاية، على ما قال رئيس «تيار المستقبل»  الرئيس سعد الحريري.

الواقع اللبناني الداخلي متصدع، وهو واقع يسهّل عبور الحركات الارهابية (وغير الارهابية)، إضافة الى كل الذين يضمرون شراً بلبنان.. خصوصاً، ان طاولات الحوار، الجماعي منها والثنائي، لاتزال تدور في حلقات مفرغة، ولا تحقق أي تقدم يذكر على صعيد ملء الشغور الرئاسي واعادة الحياة الى سائر المؤسسات، وهو أمر يلحق ضرراً كبيراً بلبنان وينعكس على مجلس النواب (الموقوف عن العمل منذ سنوات) ومجلس الوزراء «الذي نقول منذ زمن أنه لا يستطيع ان لا يتأثر كما يتأثر كل الوضع في البلد، مجلس وزراء متعثر، يجتمع مرة ولا يجتمع مرتين، موضوع يلزمه نصف ساعة بحث يأخذ ثلاث جلسات من البحث..» على ما وصف الرئيس تمام سلام الذي أكد «ان الأمن هاجس كبير ويتطلب جهوزية وملاحقة.. ونحن مستهدفون والجهات التي تستهدفنا وتستهدف غيرنا غير مستكينة..».

وتأسيساً على ذلك، فإن الرسالة من وراء تفجير الكونكورد، وصلت، سواء كان المستهدف منها البنك، ولاحقاً سائر المصارف، أم الوضع العام في البلد.. والعبث بأمن لبنان، مايزال حاضراً في أجندات عديدين، وهو يفتش مع أصحاب الفنادق عن «صيف أمني».. والمستفيدون من ايقاع الضرر بلبنان، بجميع قطاعاته، وجميع مناطقه عديدون، ومن يعيد قراءة التاريخ يدرك ان لبنان على الخريطة، مستهدف على الدوام، وخير وقاية تكون في العمل على فكفكة العقد بعيداً من الحسابات والمصالح الشخصية والفئوية.. وتفعيل الحوارات واكسابها الجدية التي تستحق بهدف الوصول الى حال يصير معها لبنان أكثر مناعة وأكثر صعوبة في الاختراق – واقتصاده من أوله الى آخره، قائم على «الخدمات»؟!