IMLebanon

«التانغو» الماروني

اخيرا، التانغو الماروني…!

اقرب ما يكون الى حفلة الزفاف. السيدة ستريدا بالابيض، كما الاميرات الروسيات. ألا يليق بهذه المرأة ان تكون السيدة الاولى؟ قد يعلّق بعضهم… شرط ألا يكون هناك السيد الاول.

هي التي صنعت المشهد ام ميشال عون وسمير جعجع؟ ها ان السادة الموارنة، كما سائر الطوائف الاخرى، يدخلون زمن الديكتاتوريات ايضا. «القوات اللبنانية» قالت انها والتيار الوطني الحر يشكلان 80 في المئة من المسيحيين. لماذا لا يكون التفاهم، اذاً، مثلما هو بين «حزب الله» وحركة «امل» وبينهما ما بينهما، بدل الصراع. غدا الاندماج؟ اطال الله في عمر الجنرال…

صمويل بيكيت ايرلندي وليس لبنانيا. هو صاحب مسرح اللامعقول. اليس لبنان، وبامتياز، مسرح اللامعقول؟

جعجع استعار عنوان كتاب اميركي، وقال «حيث لا يجرؤ الاخرون». البعض يرى لو كان هذا صحيحا لكان المشهد في بنشعي لا في معراب، ولكان «الملك» رئيس تيار المردة لا رئيس تكتل التغيير والاصلاح..

الحكيم قال «انا صانع الملوك». هذه كانت مهنة كمال جنبلاط الذي قال في استقبال الملك سعود بن عبد العزيز والرئيس كميل شمعون في منزل نجيب جنبلاط «قلنا لذاك زل فزال، وقلنا لغيره كن فكان». لم يعد احد في لبنان يستطيع ان يصنع الملوك، ولا ان يتوّج الملوك. ألا يخشى كثيرون من ان يكون الذي جرى في معراب، وحيث بدت بعض الوجوه مقطبة، او على الاقل واجمة، كإطلاق رصاصة الرحمة على حصان الجنرال؟

جميل كان الصراع بين الموارنة لو لم يتحول بين الحين والاخر الى صراع في الدم. كان يبدو وكأنه المظهر الاخير المتبقي من الديموقراطية، وبعدما شاعت ثقافة التعليب. لا، لا، التعليب مسيحيا كان بالمفرق الان بالجملة..

لو كان هناك من يصنع الملوك لكان هذا الصانع وليد جنبلاط. انظروا كم ضاع الرجل بين المحاور، وبين التضاريس، وبين المواقف، وبين السياسات. الان وليد بك «شيخ قبيلة». هو قال لنا «سأهتم بقبيلتي». كيف لطائفة انتجت شكيب ارسلان ان تكون قبيلة؟

الذي حدث مساء الاثنين لم يكن غير عادي في المسار الفولكلوري للجمهورية. حين كان البعض ضد ياسر عرفات مدّ يده الى ارييل شارون، وحين تحوّل هذا البعض ليصبح ضد حافظ الاسد، ومن بعده بشار الاسد، مدّ يده الى ياسر عرفات وصولا الى كوندوليزا رايس. في لبنان اللامعقول، واللامنطقي، واحيانا اللااخلاقي، هو المعقول، والمنطقي، واحيانا الاخلاقي…

كيف استطاع الحكيم الذي نكن له الود (لمن عرفه عن قرب) ان يخترق جدار الدم بينه و بين الجنرال ولم يستطع، وهو الذي تجرأ حيث لا يتجرأ الاخرون، ان يخترق جدار الدم بينه وبين سليمان بيك؟

دعونا نفسر بطريقة اخرى. ثمة فقه في السياسة ايضا. الجنرال والحكيم رجلان من خارج النظام التقليدي. الاثنان من عامة الناس وانتفضا على الاقطاع، ايضا على الفساد. من الجنون اتهام عون (شخصيا) او جعجع (شخصيا) بالفساد. البيك من انتاج النظام، وثمة من يستعيد عن عمد ما قالته السيدة سونيا فرنجية بجبران باسيل وبوالد جبران باسيل. كلام صدم حتى سليمان فرنجية الذي باخلاقية الفارس، وهو من قال قبلاً بالصفح لان ذاك منطق الحرب، وان كانت الحرب التي لا منطق لها…

بعد كل هذا، بشغف كبير تابعنا ما حدث في معراب. اياً تكن اخطاء سادة المارونية السياسية في الجمهورية الاولى لا تقاس باخطاء سادة السنيّة السياسية والشيعية السياسية في الجمهورية الثانية، وحيث كان تعامل البعض مع «الاخوان المسيحيين» بأسلوب «الاخوان المسلمين»، وان كان المسلمون في لبنان لم يبلغوا الحد الذي بلغه «الاخوان المسلمون» في مصر، وحيث كانت الدعوة الى فرض جزية على الاقباط وتسريح ابنائهم في الجيش…

كان لا بد من احداث تعديل دراماتيكي في الخارطة الدستورية للجمهورية الاولى، ولكن ليس الى الحد الذي يلغي اي دور للمسيحيين، والاتيان احيانا برئيس للجمهورية بمواصفات تمثال الشمع او بمواصفات البطة العرجاء. ولكن هل هكذا تستعاد هيبة المسيحيين في السلطة؟

لا يمكننا الا ان نتصور ميشال عون، الناصع اليدين، وهو يتناول علبة السردين مع جنوده في قصر بعبدا. هذا رجل يحتاج اليه لبنان اذا ما تخلى عن جاذبية الانا وعصبية الانا. ولكن كيف يمكن لاي كان ان يتصور ان الذي حدث في حفلة الزفاف في معراب كان من دون ثمن. الحكيم لاعب تكتيكي بارع. لا ينظر الى الان. ينظر بعيدا…

على من يريد ان يعرف ماذا جرى ان ينظر الى ما وراء كتفي الجنرال والى ما وراء كتفي الحكيم. صانع الملك، شريك الملك، وريثه ووارثه ايضا. كم تألقت شعبية سمير جعجع مساء الاثنين وكم اهتزت شعبية ميشال عون؟ لا سوء في السؤال. اللعبة بعد معراب غير ما قبلها…