IMLebanon

أرز تنورين… نار الثلاثة أيام والصلاحيات المهترئة في دولة الأصنام!

 

هل هناك أغلى من الأرز ليوقظ ضمائر المسؤولين؟

 

 

عاشت بلدة تنورين والمناطق المجاورة ساعات عصيبة جداً، تخلّلها مدّ وجزر مع نيران أرادت أن تمحو تاريخ شعب بكامله.

 

من يراقب أهالي تنورين يكتشف أن الناس في وادٍ والدولة في وادٍ آخر، رئيس جمهورية مشغول بتوزيع أوسمة في آخر أيام عهده، وزراء يستعرضون على الحدود ويرمون حجارة في مشهد مضحك مبكٍ، رئيس حكومة مكلّف يُكمل مناكفاته مع رئيس الجمهورية وصهره، وزراء البيئة والزراعة والأشغال خارج دائرة السمع وكأن تنورين في دولة ثانية، كل هذا يحصل وشباب تنورين من كل العائلات على خطّ النار يواجهون الخطر.

 

وربما استرجع شباب تنورين ما قاله الرئيس سليمان فرنجية للرئيس كميل شمعون في العام 1973 عند حصول الصدام بين الجيش والفدائيين الفلسطينيين: «إتكلوا على أنفسكم ما عاد عنا دولة».

 

وبالفعل ما حصل في الساعات الماضية ذكّر بتلك المقولة، فالرواية بدأت ليل الثلثاء عندما شبّ حريق على أطراف محمية أرز تنورين فشاهد الذين يقطنون المنطقة الجبلية شهب النيران تتصاعد فهبّوا مسرعين إلى تلك المنطقة و»طُرِح» الصوت، وتجنّد الشباب طوال الليل لإطفاء الحريق، ونظراَ إلى التضاريس الصعبة والوعورة لم يتمكن عدد كبير منهم من الوصول، لكن من وصل قام بالواجب وأكثر.

 

وصباح اليوم التالي إنطفأ الحريق لكن المشكلة أنه يحتاج إلى تبريد لأن الجمر تحت الرماد وفي أي لحظة تهب الرياح ويتجدّد الحريق، لذلك سارعت فاعليات المنطقة وعلى رأسها رئيس لجنة البيئة النيابية النائب غياث يزبك الذي رافق الشباب منذ اللحظات الاولى لنشوب الحريق ورئيس لجنة محمية أرز تنورين المهندس بهاء حرب إلى الإتصال بالدفاع المدني وقيادة الجيش لإرسال طوافات عسكرية لأن المنطقة لا تصلها الآليات، فما كانت النتيجة؟

 

طوال نهار الأربعاء تواصلت الإتصالات، لكن ما حصل هو تضارب في الصلاحيات، فالأرز مهدّد بالحريق وكل جهاز ينتظر الآخر، الدفاع المدني يقول إنه سيطر على الحريق ولا داعي لتدخّل طوافات الجيش، والجيش يؤكّد أنه جاهز للتدخل وينتظر طلب الدفاع المدني، في حين شكا الجميع من أن المدير العام للدفاع المدني العميد ريمون خطّار أقفل هاتفه وغاب عن السمع، بينما المطلوب إرسال تعزيزات لأن العناصر الموجودة أُنهكت وعديدها غير كاف.

 

وما إن حلّ الليل حتى تجدّد الحريق، فسارع شبان تنورين وفي ظروف قاسية جداً لحماية الأرزات، وعند فجر الخميس علت صرخات النائب يزبك ورئيس المحمية وفاعليات تنورين والجوار، ومفادها أننا نريد طوافات الجيش، فالعملية كانت تحتاج قبل يوم لعدد من طلعات الطوافات كانت كفيلة بإطفاء الجمر وإراحة أهل المنطقة.

 

وبعد أن مرّ قطوع الحريق على خير بعد تدخل الطوافات ورميها 4 براميل مياه فقط بسبب الأحوال الجوية، هناك مجموعة أسئلة يطرحها المعنيون وأهالي المنطقة وهي: أين كل المسؤولين من حريق بهذا الحجم؟ هل هناك أغلى من الأرز ليوقظ ضمائرهم؟ أين رئيس الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الأعمال والوزراء المعنيون؟ هل يُعقل أن يصل التضارب بالصلاحيات إلى حدّ القضاء على أكبر محمية أرز في لبنان؟ أين وزراء البيئة المتعاقبون من تأمين بنى تحتية لحماية المحمية بالحدّ الأدنى؟ ماذا عن التحقيق في سبب الحريق وهل سيصل إلى نتيجة خصوصاً ان الحريق إندلع في الليل وإمكانية ان يكون مفتعلاً كبيرة جداً؟

 

وفي المحصلة، فإن وزارة الطاقة صرفت أكثر من 150 مليون دولار على سدّي بلعا والمسيلحة وكلاهما «منشّفان» ولا تستطيع مروحية الجيش تعبئة ليتر واحد من المياه منهما، في حين أن إنشاء برك مياه صغيرة وشق طرق ترابية زراعية ربما لا يحتاج إلى أكثر من 50 ألف دولار لحماية أهم معلم سياحي وبيئي في تنورين ولبنان، وسط غياب الدولة عن حماية الثروة الخضراء في كل لبنان.

 

وجّه شباب تنورين، مقيمين ومغتربين، ممن أتوا لقضاء عطلة الصيف، رسالة قاسية لجميع الفاسدين وأصحاب الكراسي مفادها «إننا نحمي الأرزات برموش عيوننا» ولن نسمح لدولة فاشلة وفاسدة بأن تقتل ذاكرتنا ورمز علَمنا ولا ننتظر الدولة للتدخّل، في حين أن ما حصل في تنورين يدقّ جرس الإنذار في كل لبنان خصوصاً وأن موسم الحرائق إنطلق والدولة «مهترئة».

 

انتشرت صورة مؤثّرة جداً للمناضل ميشال عيد حرب (أبو عمر)، وهو يشارك باطفاء الحريق برجل واحدة من داخل محمية أرز تنورين.

 

واجتاحت هذه الصورة مواقع التواصل الاجتماعي، فأبو عمر معروف جداً في المنطقة وكان من طلائع الشباب الذين قاتلوا دفاعاً عن الوجود في الحرب، ويُعتبر من الكوادر المؤسسة لـ»القوات اللبنانية» وشغل منصب مسؤولها في تنورين طوال فترة الحرب وتعرّض للاضطهاد في فترة السلم لكنه أكمل نضاله مشاركاً في تأسيس رابطة «سيدة إيليج» لتكريم شهداء «المقاومة اللبنانية».

 

وفقد أبو عمر رجله اليسرى نتيجة انفجار لغم أرضى قرب الأرز، وهذا الأمر لم يهدّ من عزيمته وكان أول الواصلين ليل الثلثاء لإطفاء الحريق ولعب دوراً محورياً في العملية لأنه يعرف طبيعة الأرض جيداً ووعورة تضاريسها وقد أرشد الشباب الى الطرق وهو لم يغادر الغابة منذ 3 أيام، وبالتالي فانه وجّه رسالة كبرى لأهالي تنورين والعالم بأسره بأنّ الإرادة وحبّ الأرز والوطن لا يمكن أن يوقفها انفجار لغم من هنا أو حريق من هناك.