المستقبل» كان يمتلك دراسة مسبقة عن نتائج طرابلس
انتخابات تنورين والقبيات.. رفض الناس مصادرة قرارهم
في «الزمن السوري»، كان البطريرك نصرالله صفير يحرص على تسجيل الموقف بوجوب خروج الجيش السوري من لبنان، ولو أنه كان متأكداً من أن الزمن ليس زمن تحرير. كان متيقناً من أن تكرار المطالبة بالحق، ولو كان بديهياً، يبقيه حاضراً في وجدان الناس. كان مؤمناً بهؤلاء الناس ومقتنعاً بأن الإبرة تحفر جبلاً، وأن التغيير لا بد آت.
هي الخلاصات نفسها تقريبا التي يمكن الخروج بها من الانتخابات البلدية. سجل الناس تمسكهم بحقهم بالتغيير والتحرر. كرروا في صناديق الاقتراع بديهيات حرصهم على إنماء بلداتهم، وضمناً استقلالية قرارهم السياسي. لذا بدا التهجم على خصوصيات المدن والبلدات وحتى العائلات، ورغبتها في تغيير أسلوب إدارتها المحلية، مبالغة ليست دائماً بريئة أو «تقدمية».
بعد بيروت التي أعطت أولى الإشارات الواضحة لنبض الناس وأرادتهم واحتمالاتهم المفتوحة بعيدا عن التخويف أو التجييش، جاءت معظم المناطق لترسل إشارات مشابهة. لم ينجح أي فريق سياسي أو حزبي نجاحاً ساحقاً. اهتزت كل الثنائيات بما فيها الثنائية الشيعية الأقوى بينهم أي «حزب الله» و «أمل». وهو ما تؤكده أرقام بعض البلدات «المتمردة» في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، وخصوصا مدينة بعلبك، أما التحالف السنّي الأوسع في طرابلس، فقد أسقطته إرادات الناس الذين شعروا بالمهانة لتوافقات، كما لخلافات، تمر فوق رؤوسهم، فضلا عن اعتبارات متصلة بمزاج الشارع السنّي عموما والشمالي خصوصا.
وما يدعو الى الاستغراب أن النتيجة التي أفرزتها الصناديق في طرابلس كانت في حوزة «تيار المستقبل» مسبقاً، بشكل شبه متطابق، بناءً على إحصاءات أجراها، ولم يصدّق المسؤولون في التيار خلاصاتها. حتى أن كبار المسؤولين الأمنيين اطلعوا على هذه الإحصاءات ولم يتوقفوا عندها.
بدوره، الوزير أشرف ريفي، الذي تسربت اليه نتائج الدراسة، طابقها مع ما كان يلمسه على الأرض من تأييد وتعاطف كبيرين، إلا أنه لم يتوقع أن تصدق النتائج الى هذا الحدّ.
ومن «الثنائيات الإسلامية» الى «الثنائية المسيحية» التي جاءت انتخابات الشمال لتحسم «حساسيات» الناس تجاهها. صحيح أن الرقم الـ86 في المئة الذي تم تداوله عن حيثيتها التمثيلية دقيق الى حد كبير، وهو ما يؤكده المدير العام لمؤسسة «غلوبال فيجون» للدراسات والأبحاث الاستراتيجية طانيوس شهوان؛ لكنه يوضح ان الـ86 في المئة من المسيحيين «يؤيدون المصالحة والتفاهم بين «القوات اللبنانية» و «التيار الوطني الحر» وليس بالضرورة أن يؤيدوا ترجمة ذلك تحالفا انتخابيا».
هذا ما يفسر بسهولة ما حدث في بلدتي تنورين والقبيات. فالناس في تينك البلدتين، التي للتيار والقوات فيهما مناصرون كثر، انحازوا الى زعاماتهم المحلية بعدما رأوا أن تحالفات الأحزاب وليدة وغير راسخة أو واضحة المعالم والأهداف..
صحيح أن عوامل كثيرة تتداخل في نجاح لائحتي تنورين والقبيات، إلا أن خسارة الأحزاب المسيحية وتحديدا «الثنائي» أمام الزعامات المحلية تجب قراءته بتأن. ففي تنورين، بلدة الوزير بطرس حرب، كان الفرق كبيراً بالأرقام بالنسبة الى بلدة كتنورين، وقد قارب نحو الـ650 صوتاً. أما في القبيات، فجاءت الأرقام متقاربة. إلا أنه في الحالتين بدا الناس وقد ضاقوا بالأحزاب وسبل تعاطيها معهم على اعتبارهم بمثابة تحصيل حاصل.
ينطبق هذا الكلام على امتداد الجغرافيا اللبنانية وعلى كل الأحزاب. فأحوال الناس المتدهورة على الصعد الاقتصادية والمعيشية والإنمائية، وأزماتهم المتراكمة وسط مشهد النفايات الذي ما زال طرياً في ذاكرتهم وفي ظل تعاظم مظاهر الفساد، لم تعد تفاصيل هامشية.
ويمكن لمن يريد التدقيق في نتائج البلديات عن قرب أن يلمس حجم الاعتراض والتذمر. لكن هل يترجم ذلك بطرق مغايرة وكيف؟ هنا تكمن الإجابة الصعبة.