بوضوح تام، يمكن اعتبار نشر أشرطة التعذيب في سجن رومية كميناً سياسياً، نجح معدّوه بالتصويب على عدة اهداف دفعة واحدة. كما أنه شكل تهديدا للامن القومي ودافعا لفتنة مذهبية قاتلة في هذا التوقيت، لو لم ينجح، المستهدف الاساسي منه، اعتدال تيار «المستقبل»، في التصدي والى جانبه كل «قوى 14 آذار« باعتبار نجاحه يهدد مشروع الدولة ويؤدي الى انحلالها وهي الملجأ الوحيد، المؤهل بنظر هذه القوى، لحماية المواطنين.
والكمين هذا من ثلاث مراتب: التعذيب، التصوير، والترويج. وتدل وحشية التعذيب ووقاحة التصوير بأوجه مكشوفة والترويج لاستهداف الاسلاميين حصرا، على وجود مرجعية واحدة وقفت وراء التعذيب واختارت توقيت النشر وحصنته بحملة وضعت حكما الاعتدال في مواجهة التطرف والتشدد، وفق سياسي سيادي مخضرم يشدد على اهمية استكمال التحقيقات وصولا الى تحديد من اعطى الاوامر.
فالهدف الاول والاساسي تقسيم الشارع السني ليجنح من الاعتدال الى التطرف بما يشوّه فعليا صورة الدولة كحاضنة لأبنائها ويساهم في انهيارها تبريرا للتحصن في حضن الطوائف والمذاهب. كما يخدم انحسار الاعتدال مصالح الراغبين في تبرير تطرفهم وانزلاقهم الى القتال في الاراضي السورية بعيدا من اسرائيل. خصوصا ان مواجهة العدو الاسرائيلي كانت السبب الوحيد لاحتفاظ «حزب الله« بسلاحه عندما سلّمت سائر الميليشيات اسلحتها للدولة بعد انتهاء الحرب الاهلية0
وقد تمحورت الحملة المركزة على الايحاء أن نشر الاشرطة يعود لخلاف داخلي مزعوم في «تيار المستقبل» عنوانه الاساسي مواجهة بين وزيري «الداخلية« و«العدل« نهاد المشنوق وأشرف ريفي. ويشبّه المصدر الحملة الحالية بالحملات التي استهدفت بنجاح مرات عدة امن مدينة طرابلس. ويلفت الى ان الصور التي تذكّر بأبشع مشاهد التعذيب التي تسربت من سجن ابو غريب او سجن غوانتانامو لا بدّ وان تدفع بجزء من البيئة السنية الى التطرف، في مقابل ما اظهرته هذه البيئة في محطات عدة من رفضها لاحتضان المتطرفين وتمسكها بالدولة وبأدواتها الامنية حتى وان عانت احيانا من بعض التجاوزات.
فما حدث لم يكن بريئا بل هو «مبرمج مقصود ومطلوب» وهدفه القول للبيئة السنية ان ليس لها من يحميها حتى في عهد تيار «المستقبل» ووزرائه. واتى وقع هذا الحادث سلبيا على تيار «المستقبل«، وفق شهادات متعددة في مناطق مختلفة، وباكثر مما كانت عليه احداث 7 أيار او حتى لقاء الرئيس سعد الحريري بشار الاسد في ضوء مبادرة «السين – سين« لو لم يبادر الحريري نفسه الى احتواء الامور ولو لم تنجح قيادات التيار الاساسية والمحلية في الاستيعاب ودرء التدهور.
فلدى شريحة واسعة احساس عميق بالغبن تزيده عمقا وهيجانا مشاهد التعذيب التي تداولتها على مجال واسع وسائل التواصل الاجتماعي. وقد حملت اسئلة المواقع الالكترونية تساؤلات عن التمييز الواضح مثلا بالمعاملة مع متهم مثل ميشال سماحة بجريمة لو نجحت لفاقت في ارهابها تهم الاسلاميين، او مع محكوم بالعمالة لاسرائيل احتضنته الاستقبالات لدى خروجه من السجن، او … وتجلى الاحساس بالغبن في التظاهرات وحملات قطع الطرق التي اعقبت نشر الاشرطة وتركزت في المناطق السنية رافعة حتى بيارق «داعش« ومطالبة المشنوق اولا بالاستقالة، باعتبار السجون خاضعة لوصاية وزارة الداخلية.
ودلت الاشرطة على ان القيمين على التعذيب هم من عناصر شعبة المعلومات بما يؤدي الى تشويه هي التي ترى فيها غالبية اللبنانيين، وخصوصا في اوساط السنة، انها الجهاز الامني الاقرب اليها. ويلفت المصدر الى «سخافة» الاتهامات التي حملت وزير العدل اشرف ريفي مسؤولية الترويج للمس بمصلحة «مؤسسة هو من بناها» في اشارة الى تسلمه قيادة قوى الامن الداخلي عام 2005.