Site icon IMLebanon

هدف الأميركيين في سوريا: «حزب الله»

لا يُخفى على أحد أنّ الوضع العسكري في سوريا لم يعد في مصلحة فصائل المعارضة السورية المتحالفة مع الولايات المتحدة وخصوصاً الجيش السوري الحر، والسبب يعود مباشرة إلى التدخل الروسي وحلفائه الإيرانيين والنظام السوري و«حزب الله». لذلك، يبدو الأميركيون غير مرتاحين لشروط الهدنة التي توصّلوا اليها مع الروس الذين لحظوا في إتفاق الهدنة استمرار قصف المنظمات الإرهابية كـ«تنظيم الدولة الإسلامية» و«جبهة النصرة». أما الأميركيون الذين يعتبرون «حزب الله» منظمة إرهابية فلن يتمكنوا من كسب نقطة التدخّل ضده وضد الميليشيات الشيعيّة الأخرى في سوريا. ويرجّح بعض الخبراء العسكريين أن يكون حظر الضربات ضد «حزب الله» أحد أسباب انهيار الهدنة هناك.

لا يرتاح الأميركيون في إطلاق يد حزب الله في سوريا وتطوّره العسكري في لبنان منذ انسحاب إسرائيل من الجنوب عام 2000.

لقد بدأ التدخل العسكري لـ«حزب الله» في سوريا سرّياً عام 2012، سرعان ما تحوّل تدخلاً علنياً ابتداءً من عام 2013، وبات يُقدّر عدد المقاتلين اللبنانيين هناك بالآلاف، يحاربون فصائل المعارضة السورية إلى جانب جيش النظام السوري والحرس الثوري الإيراني والميليشيات الشيعيّة والعلويّة، ثمّ انضم اليهم الجيش الروسي بغطاءٍ جوّي فعّال.

ويقرّ الخبراء العسكريون الأميركيون أنّ قتال «حزب الله» كان فعّالاً على طول الحدود اللبنانية السورية، مع ما يتضمّنه من أبعادٍ استراتيجيّة في العمق والعرض، بل أصبح «الحزب» عاملاً رئيساً في التوازن العسكري في سوريا، بعدما دعم جيش بشار الأسد في تحقيق التقدّم ضد خصومه، ولا سيما الجيش السوري الحر المدعوم من الأميركيين.

هذه الوضعيّة جعلت الأسد المنتصر في بعض المعارك، متصلّباً في مواقفه، لا يرى سبباً في القبول بشروط الأميركيين والمجتمع الدولي والسير في تسوية والتخلّي عن حكمه. فيما تدرك الإدارة الأميركية أنّ الحرب في سوريا لن تنتهي ما لم يُكرَّس توازن عسكريّ معيّن بين الأطراف المتصارعة، علماً أنّ تردّد الرئيس الأميركي باراك أوباما في الإنخراط مباشرة في الحرب وضرب الأسد، جعل الكفّة تميل إلى الروس والإيرانيين و«حزب الله» والأسد نفسه.

أمام هذا الوضع الصعب الذي تواجهه المعارضة السورية، تفتّحت العيون أكثر على «حزب الله»، والأميركيون بفرعيهما الإنتخابيّين أي الحزبين الديموقراطي والجمهوري ينظران إلى الحزب كمنظمة إرهابية لا تقلّ إرهاباً عن تنظيمَي «داعش» و«النصرة»، ويعتبرانه مسؤولاً عن قتل أميركيين في الماضي.

لا أحد من الأميركيين يُعارض ضرباتٍ عسكرية أميركيّة لـ«حزب الله» في سوريا، وإن كانت الخطوة تبدو غير منطقيّة للبعض في ظلّ انشغال الأميركيين في الإنتخابات الرئاسيّة في الوقت الحاضر.

ويطرح بعض المقربين من الإدارة الأميركيّة احتمال أن تبادر واشنطن إلى تبليغ طهران وموسكو وبيروت أنّ على «حزب الله» الإنسحاب من سوريا مع إعطائه مهلة معيّنة، وإلّا ستقوم قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة بتوجيه ضربات جوّية له وخصوصاً إذا استمر بضرب فصائل المعارضة في حلب.

تلك الخطوة العسكرية إذا ما حصلت، ستعيد التوازن إلى المشهد العسكري في سوريا، وستكون رسالة أميركيّة قويّة للحلفاء من جهة ورسالة إلى الروس والإيرانيين بأنّ الأميركيين لن يبقوا متسامحين مع تدخّلهم العسكري المتمادي من جهة أخرى، وتعميم معادلة: ضرب المتطرفين السُنّة والشيعة في آن معاً، وبالتالي إلزام الجميع بالذهاب إلى طاولة المفاوضات للإتفاق على تسوية سياسية جدّية.

لكنّ كلّ شيء في حسابه، ومن المتوقع أن لا تكون ردة فعل «حزب الله» على أيّ استهداف له في سوريا متسامحة ومرنة. ومن المرجّح أن يعمد «الحزب» بتغطية إيرانية إلى استهداف المصالح الأميركيّة في البلدان المجاورة مثل لبنان والعراق، وقد يطلق صواريخ بإتجاه إسرائيل.

ولا يستبعد الخبراء العسكريون الأميركيون أن تسحب الولايات المتحدة عبر هذه الخطوة العسكرية، ذريعة «حزب الله» و«داعش» في التورّط بالحرب السوريّة، لأنّ الطرفين يجنّدان المقاتلين كلٌّ من جانبه، للقتال مستخدِماً الخطاب الديني المتطرّف والتعبئة ضد الآخر.

في هذه الحال، ستُضطر روسيا إلى تكثيف مشاركتها في العمليات العسكرية لتعويض انكفاء «حزب الله»، ولن تكون أمام الأسد خيارات كثيرة للإمتناع عن القبول بالتسوية السياسية.

في موازاة ذلك، ستصفّق المعارضة السورية المعتدلة للتدخل الأميركي ضد «حزب الله»، كذلك ستفعل دول الخليج التي ستضاعف دعمها لفصائل المعارضة لتحسين وضعيّتها على أرض المعارك. أما إسرائيل فلن تتأخر عن الرد على قصف مناطقها الآمنة بالصواريخ، فتلجم «الحزب» إن تمادى في ضرباته من الحدود اللبنانية.

بإختصار، سيلاقي استهدافُ الأميركيين لـ«حزب الله» ترحيباً وتشجيعاً من حلفائهم وأصدقائهم، وسيؤدي إلى إحباط خصومهم. لكن في الوقت نفسه سيعيد بعضاً من الهيبة المفقودة إلى الأميركيين وسيعزّز مصداقيّتهم في محاربة الإرهاب بكلّ أنواعه وتنظيماته، ويقرّب كلّ الأطراف المتنازعة من التوصّل إلى حلّ نهائي للأزمة السوريّة.