IMLebanon

استهداف لمؤسسة متّهمة بأنّها لبنانية!

لا يكون الردّ على الأشرطة المسرّبة عن التعذيب في سجن رومية بالاكتفاء بمعاقبة مرتكبي هذا النوع من الجرائم، التي تشكّل إساءة لكل لبناني وللبنان عموماً. 

الردّ يكون، قبل كلّ شيء، بالسعي إلى محاكمة سريعة لكلّ الموقوفين بتهم مختلفة. في مقدّم هؤلاء، الموقوفون في قضايا ذات علاقة بالإرهاب. إضافة إلى ذلك، لا بدّ من إنصاف شبّان لبنانيين من طلّاب جامعيين يقبعون في السجن منذ ما يزيد على سنة. هؤلاء موقوفون في قضايا لها علاقة بتعاطي المخدرات. هناك آخرون موقوفون ظلماً بتهم ذات طابع جنسي. من المفترض في السلطات اللبنانية المختصة الاستفادة من تسريب شرائط التعذيب للانتهاء من التخلّف والظلم اللاحق بكثيرين ومعالجة قضية السجون والإسراع في المحاكمات والتركيز على كيفية تعامل رجل الأمن مع المواطن.

ليس أفضل من تسريع المحاكمات كي ينال كلّ موقوف حقّه، فيدان المجرم ويطلق البريء ويخفّ الضغط عن السجون. الأهمّ من ذلك، أن على لبنان أن يثبت أنّه رائد في الدفاع عن حقوق الإنسان في المنطقة وأنّه يستطيع أن يكون مختلفاً عن الآخرين، خصوصاً عن النظام السوري الذي اراد تحويل البلد إلى سجن كبير عن طريق فرض ثقافة، لا علاقة لها بحقوق الإنسان. 

ما نشهده من تعذيب في سجن رومية، هو في جانب منه من مخلّفات النظام السوري الذي حكم لبنان وتحكّم به طوال ثلاثة عقود، علماً أنّ اللبنانيين لم يقصّروا في حق بعضهم بعضاً خلال حروبهم الداخلية، فمارسوا ما هو اسوأ من التعذيب.

اعترف وزير الداخلية نهاد المشنوق بأن السجون اللبنانية لا تستوعب أكثر من ألفين وخمسمئة سجين، في حين أن عدد السجناء في البلد يزيد على سبعة آلاف. ليس أفضل من الإسراع في المحاكمات كي يخفّ الضغط عن السجون، خصوصاً على سجن رومية وذلك في انتظار بناء سجن جديد يليق بلبنان ويعطي صورة مختلفة عن البلد.

لبنان في حاجة إلى هذه الصورة التي سعى الوزير المشنوق إلى استعادتها منذ اليوم الأوّل الذي دخل فيه مبنى وزارة الداخلية. نجح أحياناً وفشل في أحيان أخرى. فشل بسبب النقص في الإمكانات وبسبب وجود طموحات غير قابلة للتحقيق في ظلّ السلاح غير الشرعي لدى ميليشيا «حزب الله». هذا السلاح منتشر في كلّ أنحاء البلد الذي يعاني أيضًا من حجم انعكاسات المأساة السورية عليه. 

مَن لديه بعض من ذاكرة يستطيع استعادة الجهود التي بذلها وزير الداخلية من أجل تحسين الأوضاع في سجن رومية والسعي إلى بناء سجن جديد يستند إلى فكرة السجن – المدرسة. مَن لديه بعض من ذاكرة، يستعيد أيضاً الجهود التي بذلتها وزارة الداخلية من أجل جعل سجن رومية سجناً طبيعياً وليس «إمارة» وغرفة عمليات تعطى منها توجيهات لمنظمات إرهابية.

كان مفيداً نشر الأشرطة في هذا التوقيت بالذات، وهو توقيت غير بريء، وذلك للتأكد من أمرين. أولّهما أن هناك ظلماً لحق بسجناء وهناك ممارسات ذات طابع وحشي في السجون اللبنانية تستدعي ملاحقة المسؤولين عنها. 

الأمر الآخر الذي كشفه تسريب الأشرطة أنّ هناك من يريد تدمير المؤسسات اللبنانية الواحدة تلو الأخرى في ظلّ الفراغ الرئاسي المستمر منذ ما يزيد على سنة. مَن مارس التعذيب في رومية وغير رومية ينتمي إلى تلك الفئة المعروفة التي تريد ضرب إحدى المؤسسات اللبنانية الجامعة التي لا تزال تعمل في خدمة اللبنانيين من دون تمييز بين منطقة وأخرى أو بين المذاهب والطوائف.

من حقّ نهاد المشنوق الحديث عن «أبطال» مؤسسة قوى الأمن الداخلي. هؤلاء حاربوا الإرهاب بكلّ أشكاله. لم يميّزوا بين لبناني وآخر. دافعوا عن الدولة اللبنانية وكشفوا شبكات تخريب، بما في ذلك شبكة علي المملوك – ميشال سماحة وما يتفرّع عنها.

هل جاء دور ضرب مؤسسة قوى الأمن الداخلي، بكلّ فروعها، بسبب فعاليتها وأدائها ودفاعها عن الدولة؟ هل صار الانتماء إلى لبنان تهمة في هذا الزمن الرديء؟

السؤال مشروع في ضوء مزايدات بعض السياسيين الذين سارعوا إلى الشماتة بوزارة الداخلية. هؤلاء لم يفعلوا شيئاً عندما كانوا في السلطة. تجاهلوا خصوصاً وجود مشكلة في السجون، خصوصاً إبان حكومة «حزب الله» برئاسة النائب السنّي نجيب ميقاتي.

لعلّ أخطر ما رافق نشر أشرطة التعذيب تلك الحملة على مؤسسة قوى الأمن. هذه الحملة جزء لا يتجزّأ من الحملة على ما بقي من لبنان حيث لا تزال هناك حكومة تسدّ الفراغ الناجم عن غياب رأس الدولة. 

ثمّة أخطاء حصلت. تحمّل وزير الداخلية المسؤولية عن هذه الأخطاء. في الإمكان معالجتها عبر اللجوء إلى القانون وليس عبر النيل من المؤسسة التي لا بديل منها إلى إشعار آخر. مَن يريد بالفعل خدمة البلد لا يلجأ إلى تدمير مؤسساته أو ما بقي منها ولا يلجأ إلى النيل من وزير، ربّما كان من بين المآخذ عليه سعيه إلى أن يكون وزيراً للجميع، بما في ذلك «حزب الله»، مع علمه التام بما يضمر هذا الحزب للبنان واللبنانيين.