قَلْبُ الحدث والحيّز الذي يجب أن يشغل بال اللبنانيّين «المرتابين» من التظاهرات والحراك «المشبوه» الذي يستهدف وسط بيروت، يكمن في معرفة من هي «الدولة الصغيرة» التي أماط وزير الداخلية نهاد المشنوق اللثّام عن دورها في تخريب استقرار لبنان في هذه المرحلة عندما أعلن في لقاء عبر قناة العربيّة أنّ: «دولة عربية صغيرة تقوم بدور فعال في التمويل والتحريض على التظاهر وسيحين وقت الإعلان عنها عند اكتمال التحقيقات»، كما توقّع استمرار أعمال الشغب والتي تقف خلفها أحزاب سياسية»، بالتأكيد لن يُقدم وزير الداخليّة نهاد المشنوق على هكذا إعلان إلا بعد إلمامه بكلّ التفاصيل، وإن ترك فسحة لاكتمال التحقيقات…
واستنتاج اسم «الدولة الصغيرة» ليس صعباً، فالمواصفات تنطبق حرفيّاً على دولة قطر، وهنا نعيد التذكير بأنّنا في 9 أيلول 2013 كتبنا في هذا الهامش تحت عنوان «قطر الراعي الرسمي لإرهاب المنطقة»، وكانت قراءتنا تتناول الدور الذي تلعبه قطر عبر «الإخوان المجرمين» في هزّ استقرار مصر، وليس سرّاً أنّ قطر أنتجت وموّلت «جبهة النصّرة» وصنعت إرهاب «أحمد الأسير» وكان غرضها تفجير فتنة سُنيّة ـ شيعيّة في لبنان!! وعمليّاً تلقّت قطر ضربة قاصمة بعملية القبض الاستثنائيّة على «أحمد الأسير» وسنعرف الكثير عن دورها لاحقاً في تمويل الأسير ومجموعته الإرهابيّة، ولا بُدّ أن نلاحظ هنا دور قطر تحديداً في ملف العسكريين الرهائن عند «جبهة النصرة» و»داعش»!!
منذ «فرّخت» هذه الحركات «ذات الأسماء الغريبة» كالفطر السام في الجسد اللبناني، طرحنا السؤال يوميّاً عبر هذا الهامش: من يموّل هذه الحركات؟! من أيقظ الشيوعيّة الميّتة واليسار المتعفّن، والوجوه التي دخلت مَخزيّة مزبلة التاريخ، من أين قفز فجأة نجاح واكيم وزاهر الخطيب «الخزمتشيّة» السابقين عند «السلاح الفلسطيني»، و»المال الليبي»، و»المخابرات السوريّة»، وفي مقالة الأمس تساءلنا عن محطات تلفزة تورطت وتحاول أن تصوّر للبنانيين أنّ ما نشاهده في ساحة رياض الصلح هو ثورة!! فجأة أصبحت بضع محطات تملك إمكانيّة ضخ الأموال الدعائية للترويج لهذا الحراك، ونفس هذه المحطات كانت «تبكي وتنوح» من وضعها المالي فمن أين لها هذا؟!
وللمناسبة، لا بدّ لنا هنا من تذكير اللبنانيين بالحرب المقززة التي دارت بين محطتيْ الجديد والـ LBC، وليس سرّاً أن دولة قطر تولّت تمويل قناة الجديد بعد مقتل مموّلها السابق الديكتاتور المجنون معمّر القذافي، وتلك الحرب الشعواء التي شنّها الشيخ بيار الضاهر الباحث عن تمويل لمحطته بعدما فقد كلّ مصادر تمويله، وهنا يتساءل البعض: هل كان الصراع بينه وبين الجديد استدراجاً لـ»عروض» تمويليّة من قطر لمحطته المنهكة مالياً؟ بل أكثر من ذلك، ماذا كان يفعل بيار الضاهر في قطر قبيل اندلاع هذه الحركات والتحركات كالنّار في هشيم النفايات اللبنانيّة؟!
ثمّة استهداف قاسٍ وتصويب دقيق على وزير الداخليّة نهاد المشنوق، منذ مدّة طويلة، وثمّة من سوّق لتشويه صورته منذ بداية هذا التحرك عبر انتشار ڤيديو لـ»إجازة عادية» كان خلالها خارج لبنان، وبدا الأمر وقتها كمحاولة اغتيال معنوي له، لكأنّ نهاد المشنوق لا تكفيه الهتافات التي سبق وأطلقتها ضده مجموعات ذوي إلإرهابيين المعروفين بالمسجونين الإسلاميين، عند أبواب وزارة الداخليّة ووصفها له بأنّه «عدوّ الله»، وكأنه لا يكفي المشنوق ما كان يأتيه «هدايا» من داخل تيّار المستقبل الذي «يربط النزاع» في الحكومة وفي التيار من لا يستمرّ موجوداً إلا باشتعال هذا النزاع، وبلغت الوقاحة بالبعض أن يسمّيه «نهاد صفا»، وبعدها كأنّ المشنوق لا تكفيه مؤامرة تسريب ڤيديو ضرب السجناء الإرهابيين، التي حاكتها بعناية أيدي حزب الله ومن معه؟!
منذ اندلاع هذه الفوضى التي تُشيعها «قطر» في قلب بيروت وهي تصوّب بدقّة على الوزير نهاد المشنوق بالرّغم من الضربات التمويهية على وزير البيئة والهدف منها تعميم الفوضى وتوريط القوى الأمنيّة التي سمعنا بالأمس الفوضويون يصفونها بالـ»مجرمة»، ويهتفون في وجهها «شبيحة»!!
ثمة هيبة تُراق في قلب بيروت هي هيبة وزارة الداخلية «مجمع» الاستقرار الداخلي، وهيبة قوى الأمن الداخلي، في وقت يلتزم فيه الجيش حياد التدخل متى استدعت الحاجة فقط، ما حدث بالأمس كان يستهدف مؤسسة قوى الأمن الداخلي، ووزير الداخليّة نهاد المشنوق، فالمنطق يقول؛ أنّ بين يديْ الرّجل قنبلة موقوتة هي «استقرار لبنان الداخلي»، والأيام المقبلة لن تكون سهلة أبداً، وكلّ مخاوفنا تتمركز حول نوايا إحراق وسط المدينة بيروت في لحظة فوضى عارمة، فهل يدرك البعض حجم المسؤولية الملقاة على عاتق المشنوق؟!
على ما يبدو قطر لم يكفها ما تسبب به أحمد الأسير في «عبرا»، أما كلّ الحديث عن المطالب الشعبية التي بدأت بالنفايات وانتهت بالفساد ومحاكمة المجتمع اللبناني كلّه التي ينادي بها مجموعة «معتوهين» لا يملكون أدنى إحساس بالمسؤولية تجاه البلد وشعبه، فما هو إلا ذرّ للرماد في العيون، نحن مجدداً أمام «الخوارج»، نحن أمام «كَلِمَةُ حَقٍّ يُرَادُ بِهَا بَاطِلٌ»، وهي من كلام الإمام عليّ ـ كرّم الله وجهه ـ عليه السلام في الخوارج لمّا سمع قولهم: «لا حكم إلاّ لله» قال عليه السلام: «نَعَمْ إِنَّهُ لا حُكْمَ إِلاَّ للهِ، ولكِنَّ هؤُلاَءِ يَقُولُونَ: لاَ إِمْرَةَ، فَإِنَّهُ لاَ بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَمِير بَرّ أَوْ فَاجِر، يَعْمَلُ فِي إِمْرَتِهِ الْمُؤْمِنُ، وَيَسْتَمْتِعُ فِيهَا الْكَافِرُ، وَيُبَلِّغُ اللهُ فِيهَا الْأَجَلَ، وَيُجْمَعُ بِهِ الْفَيءُ، وَيُقَاتَلُ بِهِ الْعَدُوُّ، وَتَأْمَنُ بِهِ السُّبُلُ، وَيُؤْخَذُ بِهِ لِلضَّعِيفِ مِنَ الْقَوِيِّ، حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ، وَيُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِر»…
وهؤلاء يقولون لنا: «لاَ إِمْرَةَ»،»أيه طويلة عرقبتن» وعلى رقبة «الدولة الصغيرة التي تموّلهم» و»الدولة الكبيرة التي كلفّت الدولة الصغيرة» بمهمة زعزعة استقرار لبنان!!