IMLebanon

استهداف بيونغ يانغ من البقاع!!

فيما بدا المشهد اللبناني امس غارقا في هدنة سياسية فرضتها مهابة الحداد على الشهداء العسكريين المخطوفين والاستعدادات الجارية لمراسم تكريمهم اليوم، والتي انسحبت على مجمل الملفات والمحطات لا سيما جلسة مجلس الوزراء التي ارجأت ملفاتها الخلافية وبنودها المتفجرة، برز الى الواجهة خبر الغارة الاسرائيلية في العمق السوري لاول مرة منذ فترة طويلة تزامنا مع الذكرى العاشرة لاستهداف محطة دير الزور النووية التي كانت في طور البناء بالتعاون مع كوريا الشمالية،  في الوقت الذي تحدث فيه بعض المصادر عن ان استهداف الامس جاء لموقع يعمل لصالحه خبراء كوريون.

فوفق المعلومات، فقد استهدفت اربع طائرات حربية اسرائيلية عند الساعة 2.42 فجر امس، مطلقة صواريخ باتجاه معمل الدفاع في مصياف التابع لادارة البحوث العلمية والقريب من معسكر الطلائع على طريق مصياف حماة، قرب قرية دير ماما، على بعد حوالي سبعين كيلومترا من قاعدة حميميم الروسية حيث تنتشر منظومة صواريخ الدفاع الجوي اس400، ما ادى الى تدمير مخازن المنشأة بالكامل.

وفي التفاصيل ان اربع طائرات اسرائيلية عبرت فوق الاجواء اللبنانية آتية من جهة البحر باتجاه جرود جبيل فالبقاع، نفذت الغارة مطلقة مجموعة من الصواريخ، فيما امنت لها الحماية مجموعة اخرى من اربع مقاتلات، وسط تحليق كثيف للطيران الاسرائيلي في سماء البقاع استمر قرابة الربع ساعة، قبل ان تنسحب المقاتلات الاسرائيلية عائدة الى قواعدها، وفق ما بينت مؤشرات الرادارات الجوية.

واذا كان لم يصدر اي تاكيد او نفي اسرائيلي رسمي،على ما درجت عليه العادة، ليقتصر الموقف على نشر الاعلام الاسرائيلي لمعلومات مستقاة من الاعلام الغربي، فانه بدا لافتا الربط بين الغارة والازمة الناشئة بين كوريا الشمالية والمجتمع الدولي، في ايحاء واضح الى تحويل سوريا الى ساحة لتوجيه الرسائل لبيونغيانغ، -في الوقت الذي يتم تداول معلومات عن سيناريو اميركي بتوجيه ضربات الى شركاء بيونغيانغ بدلا من ضربها مباشرة.

عزز من هذا الاعتقاد، التقرير الذي اعدته الامم المتحدة والذي اشارت خلاله الى انه تم رصد شحنتي اسلحة في الاشهر الستة الماضية في طريقها الى سوريا كجزء من عقد بين مؤسسة «كوميد» الكورية الشمالية، وهي اكبر شركة مصدرة للاسلحة الكيماوية والاجهزة المتعلقة بتكنولوجيا الصواريخ البالستية والاسلحة التقليدية، ودمشق، دخلتا الى الموقع المستهدف، ليتابع بان بيونغيانغ ودمشق تطوران اسلحة كيماوية ودمار شامل .

وفي قراءة للظروف المحيطة بالعملية رأت مصادر متابعة ان الغارة جاءت في لحظة اقليمية  – دولية دقيقة بعد:

– أقل من أسبوعين على إعلان رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو خلال لقائه الامين العام للامم المتحدة أنطونيو غوتيريس إن «إيران تبني مصانع لانتاج صواريخ دقيقة في سوريا ولبنان».

– فشل تل ابيب في تغيير قواعد الاشتباك لقوات اليونيفل في جنوب لبنان نتيجة التدخل الروسي المباشر وتأمين موسكو الغطاء لحزب الله عبر التهديد في الكواليس باستخدام الفيتو في حال اصرت واشنطن على تغيير قواعد اللعبة اذ ان الدولة العبرية وبحسب تقاريرها لن تتردد في ضرب الهدنة السورية في حال استمرار الثنائي الدولي بتجاهل مصالحها، واصرار الدولة العبرية على وجود مصانع ايرانية لانتاج الصواريخ المتطورة في سوريا ولبنان.

– ارتفاع نسبة المخاوف في تل ابيب مما يجري على جبهة الجنوب السوري وتبلغت الاخيرة من الاميركيين وقوعهم في فخ نصبه الروس تزامنا مع معلومات استخباراتية عن قيام ضباط من الحرس الثوري وحزب الله بزيارة منطقة القنيطرة بمواكبة روسية.

– انطلاق المناورة الاسرائيلية العسكرية الابرز والاكبر منذ عام 1998.

– اعلان محققين تابعين للامم المتحدة مسؤولية النظام السوري عن هجوم بغاز السارين استهدف مدينة خان شيخون في الرابع من نيسان الماضي، في الوقت الذي يفترض فيه ان سوريا دولة خالية من الاسلحة الكيماوية وفقا للتسوية الروسية-الاميركية المبرمة عام 2016.

واشارت مصادر متابعة الى انه من الواضح ان الضربة رسالة حملت اكثر من مضمون، اولها، بان تل ابيب لن تسمح بتعزيز القدرات السورية سواء بدعم ايراني ام كوري، وثانيها، بانها قررت فرض خطوطها الحمراء بعد تجاهل الولايات المتحدة لمصالحها،اما ثالثها،بان وجود الدفاعات الجوية الروسية لن يعيق اسرائيل عن تنفيذ مخططاتها، اذ بدا لافتا عدم تحريك منظومة «اس400» في حميميم لمواجهة الطائرات المغيرة.

في المحصلة جاءت الغارة الاستثنائية من ناحية الهدف والتوقيت،في لحظة تحول سورية، اذ ان النظام السوري بات اكثر امساكا بالسلطة في ظل تقهقر المعارضة، فضلا عن الدعم الذي يحظى به من روسيا وايران. فهل تقلب دمشق الطاولة بعد ان استعادت المبادرة داخليا وترد على الاستفزاز الاسرائيلي؟ ام ان الحسابات الدولية اذا ما صحت المعلومات عن استهداف بيونغيانغ غير المباشر قد تفرض معادلات اخرى؟