الأهم من إحباط العملية الإرهابية الجديدة في الدمام، هو السياسة الشاملة التي تعتمدها حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لإحباط الجماعات الإرهابية وأهدافها غير الحميدة وتفشيل مسعاها للمسّ بالأمن القومي لأهم دولة إسلامية على وجه الأرض.
الإجراءات الأمنية المضادة والاحترازية يمكن أن تحبط الإجرام الإرهابي في موضعه، لكنها على أهميتها القصوى والحاسمة، لا تلغي الإجراءات المتمّمة والموازية التي تضعها القيادة السعودية في مقدّم أجندتها المتصدّية لذلك التطرّف العَدَمي.
ومفترٍ وكيدي وأرعن، من لا يرى أو يقرّ بالحقيقة القائلة إن السعودية هي من أكثر الدول التي استُهدفت بالإرهاب الأسود المغلّف بالدين على مدى السنوات الماضية. لكنها من أول الدول التي تمكنت من مقاربة ذلك البلاء بطريقة قضت على معظم خلاياه ومكوّناته البشرية. وواكبت ذلك بتقديم الغالي والنفيس في سبيل تكسير منطقه ومنطلقاته الفكرية، ولم تعوّف وسيلة أو طريقة إلا واستخدمتها في موضعها وتحت سقف القانون والشرعية، من أجل إطلاق هجوم توعوي مضاد في مواجهة الانحطاطيين الذين أخذوا النصّ على هواهم وجعلوا من التكفير عدّة بيانهم وبلاغهم، والإجرام التام وسيلتهم الوحيدة لإيصال «رسالتهم».
لكن اللافت في أمر الحالة الإرهابية الراهنة، من القطيف إلى الدمام (مثلما كان الحال في أيام «القاعدة«) هو تزامنها مع تصاعد حدّة التوتر الإيراني بعد «عاصفة الحزم»، وتصاعد وتيرة التهديدات من قبل قيادات إيرانية، وبطريقة غير مسبوقة بصلافتها ومصطلحاتها إزاء المملكة وقيادتها.. بل الأغرب من ذلك، هو «الانطباع» الذي يتولّد لدى كل راءٍ ومراقب ومهتم من قريب أو بعيد، من أن تصعيد عمليات الإرهاب «الداعشي» (هذه المرة) يأتي كترجمة شبه حرفية للتهديدات الإيرانية! و»للتحليلات» التي نشرتها ماكينة الممانعة في الآونة الأخيرة تحديداً، والتي «قالت» و»توقعت» أن تصيب المملكة وأمنها القومي مخاطر «كيانية» استراتيجية نتيجة سياستها المضادة «لمسيرة التنوير« الايرانية الممتدة من انقلاب الحوثيين في اليمن على اليمن وأهل اليمن! إلى بشار الأسد وجرائمه في حق سوريا وأهل سوريا!
ذلك «التزامن» يبقى افتراضياً، بانتظار أن تقدم السلطات السعودية بقيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز، وقطاعها الأمني الذي يقوده باقتدار وحِرَفية وشجاعة استثنائية ولي العهد السعودي، وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، الأدلة التي تجعله واقعياً.. مثلما جرى سابقاً في تفجير الخبر في أواسط تسعينيات القرن الماضي، والذي قيل بداية إن «القاعدة» تقف خلفه، قبل أن يتبين شيء آخر، له صلة ما بالداخل الإيراني!
بمقدار ما يسمح لنا الحق الرقابي من بعيد بالقول، نقول إن المجتمع السعودي مثل غيره من المجتمعات المتنوعة، يعاني مشاكل متوارثة لا ينكرها أحد، لكن هذه لم تكن السبب الذي حرّك الإرهاب القاعدي السابق والداعشي الراهن.. ومعظم عمليات الإرهاب على مدى السنوات الماضية التي لم تقترب من المناطق الشرقية، تؤكد ذلك المعطى ميدانياً ودموياً. غير أن الركّ الراهن على الوتر المذهبي يعني أن الانحطاطيين يحاولون الصعود على درجات ذلك السلّم، ليس من أجل تفجير الفتنة في ذاتها، وإنما لمحاولة المسّ وبعمق شيطاني خالص، بالأمن القومي السعودي ولأهداف سياسية واضحة.
والواضح في المقابل، أن قيادة المملكة تعاملت وتتعامل بذكاء وفطنة مع ذلك الإجرام الخبيث والمشبوه، ونجحت، سياسياً وإعلامياً وميدانياً، في تحويل المعطى المذهبي من سلّم فتنوي يصعد عليه كل من يريد شرًّا بالمملكة، إلى وضعية معاكسة تماماً. بحيث إن المقاربة الرسمية والشعبية لتفجيرَي القطيف والدمّام، كانت حيوية وسريعة وشفّافة وذات صدقية رفيعة المستوى، بل وصلت إلى مستويات غير مسبوقة: برّدت قلوب الحيارى والقلقين، وأكدت القياس الرسمي الذي لا يفرّق بين سعودي وآخر، ورسّخت المفهوم العام بأن الدولة قوية وحاضرة ومستعدة. وأول مظاهر قوتها هو كونها الخيار الوحيد والنهائي لكل سعودي..
في كل الحالات يصحّ الافتراض، بأن الإرهاب لم ينل سابقاً من السعودية ولم يعدّل في نهجها. وبديهي اليوم أن يكون الحال هو ذاته وأكثر.