Site icon IMLebanon

إستهداف القوات التركية في «الباب»: أصابع إيران؟

أعلن الجيش التركي في بيانٍ له صباح أمس أنّ مقاتلاته نفّذت ضربات جوّية في مدينة الباب السورية الخاضعة لسيطرة تنظيم «داعش»، بعد مقتل أربعة جنود أتراك في المنطقة في اليومين الماضيين. وذكر البيان أنّ الضربات هي في إطار عملية «درع الفرات» التي بدأتها أنقرة في آب المنصرم لإخراج تنظيم «داعش» والمسلّحين الأكراد التابعين لحزب الإتحاد الديمقراطي من المنطقة الحدودية.

هل سيكون بيان قيادة القوات المسلحة التركية هذا حول استمرار المقاتلات التركية في ممارسة مهامها ضد تنظيم داعش كافياً لإنهاء مسألة استهداف الجنود الأتراك على مدخل الباب، على رغم أنّ رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم يؤكّد أنّ بلاده ستردّ على الهجوم بعد الانتهاء من تحقيقات تحديد الجهة الفاعلة؟

تقارير ومعلومات أمنية وعسكرية تركية تؤكّد أنّ القوات السورية التابعة للنظام هي التي نفّذت الغارة الجوّية على علوٍّ مرتفع وفي ساعات الفجر الأولى. لكنّ التساؤل المحيّر هو أنّ دمشق لم تستهدف المقاتلات التركية التي تخترق أجواءها يومياً، لمهاجمة داعش على رغم تهديداتها الكثيرة. فلماذا تنفّذ عملية ردّ من هذا النوع وبهذه الطريقة وهي تملك السلاح الروسي القادر على اعتراض الطائرات التركية فوق أراضيها.

أمّا انها لا تريد الى الآن ذكر اتصالاتٍ تجريها مع أنقرة بعيداً من الاضواء في الملف السوري، وأما انّ روسيا هي التي تمنعها من ذلك بانتظار حسم الاتصالات التركية الروسية والخطط التي تناقش حول أكثر من مسالة تتعلّق بمسار الأزمة السورية. فكيف ولماذا حصلت الغارة على القوات التركية في الباب إذاً؟

اللافت طبعاً أنّ الهجوم ضد الجنود الأتراك جاء في توقيته الزمني:

– بعد مرور ساعات فقط على زيارة قام بها رئيس هيئة الأركان التركية، خلوصي أكار، إلى ضريح «سليمان شاه»، جدّ مؤسس الدولة العثمانية، في قرية أشمة، داخل الأراضي السورية.

– وبالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى لإسقاط المقاتلة الروسية داخل الأجواء التركية.

– كما ترافق مع اجتماع سياسي كانت تعدّ له أنقرة بين الروس ومجموعات من المعارضة السورية التابعة للائتلاف الوطني المعارض.

– وقبل أسبوع من زيارة مرتقبة لوزير الخارجية الروسي لافروف الى تركيا بدعوة من نظيره التركي شاووش أوغلو في إطار التنسيق وتحسين العلاقات بين البلدين.

– وخلال تعهّد يقدمه رئيس الأركان التركي خلوصي اكار للروس أنّ رصاصة تركية واحدة لم تُطلق ضد القوات السورية التابعة للنظام في حلب وأنه جاهز للاستقالة إذا ما ثبت العكس.

تحليلاتٌ تركية لا تلقى رواجاً وتاييداً في صفوف القيادات السياسية التركية تتساءل عن احتمال تنفيذ العملية بقرار ثلاثي مصري إيراني بالتنسيق مع النظام في سوريا، وهي تبني في استنتاجها هذا على أساس أنّه:

طالما أنّ القاهرة المعروف توتر علاقاتها مع أنقرة كرّرت موقفها في ضرورة الحفاظ على الجيش السوري ووحدته وقوته، وحيث إنّ الإعلام الإيراني أو المحسوب عليه عربياً لا يتوقف عن الإشارة الى التنسيق المصري مع النظام السوري والى إرسال ضباط مصريين للمشاركة في المعارك الى جانب بشار الاسد.

وطالما أنّ طهران تشعر بمخاطر التفاهم التركي الروسي في أكثر من ملف أمني وسياسي سوري، قد يكون على حساب مصالحها ونفوذها وتمدّدها هناك، فلمَ لا يتقدّم هذا الطرح كاحتمال أوّل في تحديد خلفيات الجهة الفاعلة؟

لكنّ اللامنطقي هو أن يقدِم النظام في سوريا على مغامرة من هذا النوع رغماً عن الروس أو دون معرفتهم وموافقتهم، حتى ولو كان القرار إيرانيّاً مصريّاً لأنه يعرف أنّ الثمن سيكون باهظاً.

القيادة المصرية أيضاً لن تدخل في تفاهم من هذا النوع يخدم إيران وحدها، ويوتر العلاقات المصرية الخليجية وتحديداً العلاقات المصرية السعودية التي تحاول رصد التحرّك المصري في سوريا لتحديد موقفها الجديد على ضوء التقارير الاستخبارية التي ستتسلّمها.

سيناريو آخر ضعيف يشير الى احتمال أن يكون النظام في سوريا تحرّك بمفرده في مخاطرة من هذا النوع تفتح الباب على وسعه قبل معركة «الباب» أمام مواجهة عسكرية مباشرة مع الأتراك. لمَ يقدِم النظام على خطوة انتحارية بافتعال صدام مسلّح مع تركيا وهو يعرف أنّها معادلة خاسرة على جميع الأصعدة؟

أقلام إيرانية تنذر منذ أيام بمفاجأة محتملة من هذا النوع من خلال حديثها الدائم عن «فخّ مُحْكم»، وعن ثمن باهظ ستدفعه تركيا في سوريا، وأنّ الثمن الوحيد الذي يمكّن تركيا الخروج من المستنقع السوري هو تفاهم أكبر مع روسيا، لكنّ المشكلة تبقى أنّ إيران تقدّم الآن هذه الخدمة للجانبين الروسي والتركي عندما تكشف موسكو المعني الأول باستهداف الجنود الأتراك، طالما أنّها هي صاحبة الكلمة الأخيرة في حلب وأجوائها وحيث ستساعد أنقرة حتماً على تحديد ما جرى وكانت المقدمة إعلامها أنّ طائرة يملكها النظام السوري من طراز «الباتريوس»، هي التي نفّذت العملية انطلاقاً من مطار حلب العسكري ثمّ عادت أدراجها.

الكثير من السيناريوهات والاحتمالات تلتقي عند تقاطع أنّ المستفيد الأوّل والأقوى من الهجوم على القوات التركية هو إيران وسياستها السورية التي تبحث عن أسباب تقود الى المواجهة العسكرية المباشرة مع تركيا بعدما أفشلت أنقرة مشاريعها وحساباتها في حلب وشمال العراق، وخطة ربط الحشد الشعبي بحزب الله بين الرقة والموصل عبر السيطرة على تل عفر.

إيران وكما تقول تقارير الاستخبارات التركية زادت من دعمها المكشوف للقوات الكردية التابعة لصالح مسلم في شمال سوريا، وتنسّق معها لفتح ممرّ يقرّبها من مدينة الباب وهي تموّل وتحرك القوات الكردية التابعة لحزب العمال الكردستاني في سنجار باتجاه الضغط على التقارب بين أربيل وأنقرة، وربما هذا هو ما دفع نجيرفان البرزاني القيام بزيارته المفاجئة العاجلة لأنقرة قبل يومين للتنسيق في الرد على التصعيد الإيراني.

الملفت هنا هو ما قاله رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، بعد ساعات على الهجوم حول أنّ من الواضح أنّ بعضهم غير راض عن هذه المعركة التي تخوضها تركيا ضد داعش. الإجابة الحقيقية هي ليست البحث عن المتضرّر من الدخول العسكري التركي المباشر في هذه العمليات، بل ما الذي يحول دونه التدخل التركي ويمنع تنفيذه في سوريا والعراق.

وربما عندها نصل الى الإجابة حول المستفيد الأوّل من تحريك هجومٍ استفزازيٍّ من هذا النوع يدفع تركيا للدخول في حرب مباشرة مع النظام السوري تقلب الحسابات والمعادلات راساً على عقب، وتفتح الطريق المسدود أمام إيران في هذه الآونة.

هل الشريك المتضرّر الآخر هو واشنطن التي رجّحت الصمت حتى الآن ولم تعقّب على الهجوم حتى لا نقول إنّها لم تعلن عن وقوفها الى جانب الشريك والحليف التركي في العملية التي استهدفته داخل الأراضي السورية. أم إنّ الإدارة الأميركية كانت تعارض التوغل التركي في شمال سوريا ونحن لم نكن نعرف ذلك؟

معركة الباب لن تكون سهلة على الجميع ودون حسم المعركة هناك بكلّ توازناتها وحساباتها المحلّية والإقليمية والدولية لن يتقدّم احد نحو الرقة. المواجهة على جبهتي سوريا والعراق لن تكون بعد الآن أيضاً مع تنظيم الدولة وحده بل في اتجاه تصفية حسابات ورسم خرائط وتحديد مواقع ونفوذ لما بعد داعش، وهذه هي المواجهة الحقيقية.