إستمعت بانتباه كبير الى كلام الرئيس سعد الحريري، عصر أمس، إثر زيارته القصر الجمهوري حاملاً مشروع تشكيلة حكومية عرضه على الرئيس ميشال عون وتناقشا في مضمونه بواقعية وصدق، ومسؤولية وطنية عالية. وشهادة لله في كلمة حق تُقال إن ما أدلى به الشيخ سعد من تصريح جاء ذروة في الوطنية والمسؤولية. طبعاً لن ندخل في تكرار أقواله، فقد إستمع إليها أو قرأها المهتمون والمعنيون جميعاً. إلاّ أنّ الزيارة التي قام بها الرئيس المكلّف الى القصر أمس بالذات تبقى علامة فارقة وُضعت فيها النقط على الحروف، وتكشفت منها سلسلة نقط تجدر الإشارة إليها سريعاً:
أولاً – لا شك في أن عقداً (أسماها الحريري «أموراً») قد حُلّت، ولكن لا يزال الكثير من دون حل وهو ما يقتضي بذل المزيد من الجهود.
ثانياً – هناك إصرار من أطراف غير قليلة على بثّ الشائعات حول خلاف بين بعبدا وبيت الوسط. صحيح أنّ وجهات النظر قد لا تكون متطابقة بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف… فهذا طبيعي، ولكنه لا يشكل مدخلاً الى فرط التسوية التي مضى عليها، حتى اليوم، نحو سنتين.
ثالثاً – المتضررون من تلك التسوية ليسوا متوقفين عن محاولة إسقاطها. وعدة الشغل في إتجاهين على الأقل.
1 – الأول إظهار «الرئيس القوي» عاجزاً. أي محاولة إيجاد أجواء (خصوصاً إعلامية) تبيّن القوي مفتقداً الى القوة، كي لا نقول عاجزاً. وهذا، بالطبع، ليس صحيحاً.
2 – الثاني إظهار الرئيس المكلّف وكأنه «يفرّط» في صلاحيات رئاسة الحكومة، وإنه يفتقد الى القرار. وهذا أيضاً غير صحيح على الإطلاق. فلا الرئيس سعد الحريري فرّط أو يفرّط، ولا الرئيس ميشال عون يتعدّى على صلاحيات رئيس مجلس الوزراء. وتلك حقيقة معروفة اضطر الحريري الى تردادها، أمس: «فخامة الرئيس يعرف الدستور ويلتزم به وأنا أعرف الدستور والتزم به».
ثالثاً – لم يعد سراً أن استهداف الرئيسين عون والحريري معاً أو كلاً منهما على حدة، بات نهجاً معروفاً يعمل عليه غير طرف، وليس بالضرورة أن يكون العاملون على هذا الهدف ينتمون الى فريق واحد، إذ لكل منهم غايات مبيّتة باتت مكشوفة.
رابعاً (واستطراداً) – في تقدير البعض أن ضرب العلاقة بين عون والحريري من شأنه أن يُضعف الإثنين معاً: فمن جهة الحريري ستصبح عودته الى السراي صعبة جداً في هكذا حال… وسيصبح عون بحاجة الى جهات بعينها لتمضية السنوات المتبقية من العهد، ولكن في ظروف من التردد والتعثر!
خامساً – يُفهم من كلام الرئيس سعد الحريري، عصر أمس، أن الرئيسين يدركان هذه الحقائق إدراكاً تاماً. وبالتالي فإنهما لن يسمحا بتنفيذ مخططات تستهدفهما معاً. وأما أن «يتسلّى» البعض في حملات إعلامية غايتها إظهار العماد عون ديكتاتوراً يقيم على رأس الجمهورية، وإظهار الشيخ سعد في موقع العجز والتردد، فهذا ربما يكون من «عدة الشغل» التي يستعملها كثيرون ولكن من دون جدوى.
وفي التقدير والمعلومات أن لقاء الرئيسين أمس كان ضرورياً وقد بدّد الكثير من الغيوم التي كانت عالقة في أجواء التأليف… وإن لم تؤلف الحكومة بعد.