الهدف الأساسي المعلن من ثنائية التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية هو «تصحيح التمثيل». إلا أن هذا «التصحيح» يكاد يكون مستحيلاً من دون شريك أساسي هو حزب الطاشناق. فضلاً عن قدرته على ترجيح كفة الثنائية، يمكن الطاشناق أن يلعب دور الضامن للكثير من القوى في المتن وبيروت وزحلة، فيما لو خيضت الانتخابات وفق النظام الأكثري
قد يكون «تصحيح التمثيل المسيحي» هو المطلب الرئيسي للتيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية ميشال عون بطبيعة الحال، ولكنه في الأساس مرتبط بشريك انتخابي مهم لترجمته واقعاً في الصناديق والبرلمان. إذ يصعب الحديث عن مكاسب استثنائية لثنائية التيار والقوات اللبنانية المفترضة في الانتخابات النيابية من دون تحويلها إلى ثلاثية بالتحالف مع حزب الطاشناق.
وفعلياً، المعادلة هنا مربحة للطرفين: فمن جهة يضمن التيار الفوز ببعض المقاعد المسيحية غير المحسومة، ومن جهة أخرى يؤمن الطاشناق تصحيح تمثيله هو الآخر واسترداد المقاعد التي يعتبرها حقاً له بما يتيح له زيادة عدد مقاعده النيابية من اثنين إلى خمسة أقله. يدرك التيار هذا الأمر جيّداً. ففي الوقت الذي كانت لافتة «الثنائية» ضرورية لإرساء قاعدة مشتركة بين الجمهورين العوني والقواتي، لا نتيجة عملية من دون الطاشناق. فالحزب هو رافعة الثنائية الأساسية، ولا بدّ من ثلاثية متينة لتحقيق الأهداف المفترضة.
غالباً ما ينسج الطاشناقيون تحالفاتهم بتأنٍّ بما يحفظ علاقاتهم المتعددة ولو كانت تشمل خصمين في قضاء واحد. فوحدهم يقدرون على التحالف مع النائبين ميشال المر وسامي الجميل من جهة وخصمهما في المتن الشمالي التيار الوطني الحر من جهة أخرى. ووحدهم أيضاً يستطيعون الحفاظ على علاقة ندّية مع هؤلاء من دون الحاجة الى فحص دم متكرر. الميزة تلك جعلت من الطاشناق حاجة أساسية لكل القوى. ففعلياً في أقضية المتن الشمالي والأشرفية وزحلة، الأرمن هم بيضة القبان في حال المعركة الحقيقية، يحلّ الربح أينما حلّوا. لذلك هم حاجة قوية اليوم إلى الثنائي المسيحي حتى يكون «تصحيح التمثيل» مضموناً. ففي المتن الشمالي على سبيل المثال، يمكن للمر والجميل خوض معركة انتخابية بمساندة الطاشناق في وجه التيار والقوات، فيما النتيجة محسومة سلفاً في حال قرر الطاشناق الالتزام بتحالفه مع التيار الوطني الحر فقط. وفي الأشرفية تعطي الأصوات الأرمنية دفعاً قوياً للائحة العونية والقواتية وتضمن لها الربح. وفي زحلة، يضاعف الطاشناق من نفوذ القوات والتيار ويريحهما شعبياً.
لن ينسى الطاشناق نكستي الكتائب في 2008 و2016 من الجميل الأب والابن
في المقابل، يمكن للطاشناق عبر تحالف مماثل الفوز بمقعدي الأرمن الأرثوذكس والكاثوليك في الأشرفية والمقعد الأرمني الكاثوليكي في زحلة. «استعادة» هذه المقاعد شرط متفق عليه مسبقاً، يقول أحد مسؤولي الطاشناق، «فالحزب لن يساوم على محاولات خطف تمثيله بعد اليوم شأنه شأن القوى المسيحية الأخرى». والحزب من جهة أخرى، «يحفظ الجميل ويصون تحالفاته جيداً». ففي الوقت الذي ينظر فيه فريق 14 آذار إلى حليفيه الأرمني الهنشاك والرمغفار بدونية ومن دون أن يقيم لهما أي اعتبار في الوزارة أو حتى النيابة، يضمن التيار الوطني الحر حصة الطاشناق في الوزارة والنيابة قبيل الخوض في تمثيله الشخصي. وهو ما حصل فعلياً خلال مفاوضات تشكيل الحكومة حيث حرص التيار والرئيس ميشال عون على تمثيل حليفهما الأرمني بوزارة مهمة بعد أن ضمنا له وزارة الطاقة في السابق. للتيار عاطفة خاصة في قلوب الأرمن ككل والطاشناق خاصة، واليوم يحظى الرئيس ميشال عون بمكانة خاصة لا سيما مع سعيه لتأمين كل مطالب الطاشناق والحرص على عدم تهميشهم أو تحييدهم عن الملفات الأساسية. لذلك حلف الطاشناق مع التيار وطني مبدئي ودائم، تقول المصادر بالتزاماتنا». ولكن ماذا عن التحالف التاريخي مع المر والحرص على تجيير الأصوات الانتخابية للنائب سامي الجميل مهما كانت شكل التحالفات؟ يعيد المسؤول تكرار مبادئ الطاشناق الأساسية وهي الصدق والالتزام. ففيما يلتزم المر «ونلتزم معه في كل المسائل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تعني قضاء المتن الشمالي، أخلّ الجميل الابن بهذه الأساسيات (في ملف النقايات) مؤثراً الهجوم علينا وكيل الاتهامات العشوائية لتسجيل أرباح شعبية لم تحصل أصلاً». ودفع ذلك بالطاشناق إلى إعادة ترتيب علاقاته وأولوياته ولو أنه لا يعادي أحداً وتجمعه علاقة جيدة بمختلف الأحزاب بما فيها حزب الكتائب ويلتقي رئيسه باستمرار. في المقابل، الأحوال مع القوات جيدة ولم تشبها شائبة منذ التسعينيات لا بل يحرص رئيس حزب القوات على إحياء ذكرى إبادة الأرمن في معراب كل سنة باحتفال يحضره النائب أغوب بقرادونيان. فالقوات قدّرت جيداً حجم الطاشناق وآثرت عدم معاداته والاحتفاظ بحد أدنى من التواصل معه، رغم عدم ارتقاء العلاقة إلى تجيير ولو صوت طاشناقي واحد إلى مرشحي القوات والعكس صحيح. فيما تجربة الطاشناق مع الحليف الكتائبي تعرضت لنكستين، واحدة من الجميل الأب خلال الانتخابات الفرعية التي تواجه فيها مع كميل خوري عام 2007، وأخرى من الجميل الابن غداة حملته على مطمر برج حمود. رغم ذلك، لا يمكن الحديث عن تحالفات نهائية، إلا أن الثابت الوحيد هو الشراكة مع التيار الوطني الحر. وتلك الشراكة لا تعني انغلاق الطاشناق على أصدقائه، فكما سيحاول التوفيق بين المر والتيار الوطني الحر في المتن الشمالي إن لم تجمعهما لائحة واحدة، سيسعى أيضاً في زحلة للتوفيق بين التيار ورئيسة الكتلة الشعبية ميريام سكاف «التي تجمعنا بها علاقة ودّ واحترام».
ينشغل الطاشناقيون اليوم بتزييت الماكينة الانتخابية. لا مكان للمفاجآت في أجندة الحزب، ولا للحسابات الخاطئة أو الأصوات غير المنضبطة. يتشابه الطاشناق وحزب الله في دقة الأرقام وقدرة تجيير الأصوات تماماً كما يعدان حلفاءهما، وهو ما سبق له أن حصل في الدورات الانتخابية الماضية، النيابية والبلدية، رغم كل ما روجه البعض في الانتخابات البلدية السابقة عن إخلال الطاشناق بوعوده. لا شيء محسوماً حتى الساعة في شأن التحالفات واللوائح بانتظار إقرار قانون انتخابي جديد، إلا أن الطاشناق لن يقبل بتمثيل خاطئ في بعض الدوائر بفعل فرض بعض القوى مرشحيها على المقاعد الأرمنية زوراً. لذلك، الثنائية المسيحية اليوم حاجة إلى الطاشناق كما هو حاجة ماسة لإتمام ربحها. ويتطلب تصحيح التمثيل، المسيحي والأرمني، ثلاثية لا ثنائية في ظل القانون الأكثري؛ لأن أي قانون نسبي سيصحح التمثيل تلقائياً من دون الحاجة إلى تحالفات جانبية.